[حكم صلاة الجماعة]
وفي عجالة سريعة أذكر بحكم صلاة الجماعة، ونذكر هواة الصلاة في البيوت والمنازل بحكم صلاة الجماعة، ونقول لهم: يا من تصلون في البيوت والحجرات وتركتم هدي خير البريات، وتركتم الجمع والجماعات: اعلموا بأنكم على خطرٍ عظيم حتى وأنتم تصلون؛ لأن من العلماء من قال بوجوب صلاة الجماعة والحق والدليل معهم، فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال بأنها سنة مؤكدة، والحق والدليل مع من قال بوجوب صلاة الجماعة؛ وإليكم بعض الأدلة يا عباد الله.
الدليل الأول من القرآن الكريم على وجوب صلاة الجماعة في بيوت الله جل وعلا: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣] فلو كان المقصود إقامة الصلاة فقط ما قال الله في آخر الآية: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣] وهو الذي قال في أولها: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣] فلو كان الأمر يقتصر على الإقامة لقال الله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣] ومعلوم أنه لا توجد كلمة في القرآن الكريم كله بدون هدف وبدون معنى وبدون حكم.
ولو كان المقصود إقامة الصلاة فقط لقال الله كما قال في آيات كثيرة من القرآن {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] ولكنه قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣].
يقول الشيخ ابن باز: وهذه الآية نص في وجوب صلاة الجماعة.
الدليل الثاني: هو قول الله تبارك وتعالى وحكمه على المسلمين، حتى وهم في ساحة القتال وميدان الوغى، يوم أن تصمت الألسنة وتخطب السيوف على منابر الرقاب في مواجهة أعداء الله جل وعلا، لم يسمح الله بترك صلاة الجماعة، أسمعتم دليلاً أعظم من هذا الدليل، حتى في ميدان القتال والخوف من أعداء الله أن ينقضوا على المسلمين، لم يسمح الله جل وعلا أن يصلي المسلمون الصلاة فرادى في ميدان القتال، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم في الميدان جماعة، سبحان الله! فقال له ربه جل وعلا: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:١٠٢] وقال بعدها جل وعلا: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:١٠٢] دليل عجيب وصريح في وجوب صلاة الجماعة، حتى في وقت الخوف والقتال، ولو كان الأمر يسيراً -كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله- لأُذن لهؤلاء في ميدان القتال أن يصلوا فرادى، وأن يصلي كل واحد منهم في موقعه، ولكن الله جل وعلا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم جماعة.
الدليل الثالث: حديثٌ رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، وقال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، أي أن يصلي في البيت فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء، قال: نعم.
قال صلى الله عليه وسلم: فأجب) أجب النداء، أجب منادي الله في بيت الله جل وعلا.
الدليل الرابع: الحديث الذي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهذا من حديث أبي هريرة أيضاً-: (إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الخير لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معي، معهم حزم من حطب فآتي على قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).
أسمعتم يا عباد الله! (أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) هذا حكم صلاة الجماعة.
فيا من تهوون الصلاة في البيوت وتتركون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلموا أنكم على خطر عظيم، ولو متم على ذلك لمتم على غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الله بن مسعود في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (إنها من سنن الهدى، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) ثم يقول في آخر الحديث: (ولقد رأيتنا ولا يتخلف عن هذه الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين -أي يستند على الرجلين- حتى يقام في الصف) هذه صلاة الجماعة وهذا حكم صلاة الجماعة.
فيا من ضيعتم الصلاة! اتقوا الله جل وعلا، ويا من ضيعتم الصلاة في جماعة! اتقوا الله جل وعلا، فلو متم على ذلك لمتم على غير سنة رسول الله، وعلى غير هدي ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
بقي لنا -أيها الأحباب- أن نذكر في عجالة سريعة بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله جل وعلا، فضل الصلاة بصفة عامة، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.