[فضل التوحيد وتحقيقه]
وأختم الحديث عن الشرك بأحاديث خفيفة سريعة عن فضل التوحيد وعن فضل تحقيق التوحيد، ليسعد الموحدون وليسجد الموحدون شكراً لله رب العالمين، وليزداد كل واحد منا حرصاً على التوحيد لله وخوفاً من الوقوع في الشرك، وكيف لا أخاف الشرك ولا تخاف الشرك وقد خاف الشرك خليل الله إبراهيم ودعا ربه جل وعلا بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].
ففي الصحيحين من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي رواية عتبان بن مالك: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله عز وجل)، هذا فضل التوحيد أيها الموحدون.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وأطال النفس كثيراً الإمام ابن القيم في الرد على من أعل هذا الحديث في تهذيب السنن، وصحح الحديث أيضاً شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، وينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ويقول الله عز وجل: أفلك عذر؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله عز وجل: بلى إن لك عندنا حسنة فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول الله عز وجل: احضر وزنك فإنك لا تظلم، فيقول العبد: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله جل وعلا: احضر وزنك فإنه لا ظلم عليك اليوم، يقول: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فإنه لا يثقل مع اسم الله شيء).
ذلكم هو التوحيد لله الذي قال عنه الإمام ابن القيم: إن السر العجيب الذي ثقل بطاقة هذا الرجل وطاشت من أجله السجلات هو التوحيد الخالص، هو التوحيد الخالص الذي لو وضعت منه ذرة على جبال من الذنوب والخطايا لبددتها وأذابتها، فإن للتوحيد نوراً يبدد ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة هذا النور، إن السر هو التوحيد الخالص، هو التوحيد الصادق، هو إخلاص العبودية والعبادة لله جل وعلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الأنعام:١٦٢]، وليس لأحد، ليس لأي إله من الآلهة المكذوبة المفتراة المدعاة {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
قل بحق وصدق: اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، وأبرأ من الأمل إلا فيك، وأبرأ من التسليم إلا لك، وأبرأ من التفويض إلا إليك، وأبرأ من التوكل إلا عليك، وأبرأ من الصبر إلا على بابك، وأبرأ من الذل إلا في طاعتك، وأبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين.
أخلص توحيدك لله، أخلص عبادتك لله، ليكن ذبحك لله، ونذرك لله، وحلفك بالله، وطوافك ببيت الله فقط لا بغيره ولا بقبر أحد من الخلق على ظهر هذه الأرض، ولو كان بقبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩]، لا ببيت هذا ولا بقبر فلان، ولا تذبح إلا له، ولا تنذر إلا له، ولا تحلف إلا به، ولا تسأل إلا الله، ولا تستعن إلا بالله، ولا تطلب الغوث والمدد إلا من الله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:١٧].
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله إذا بليت فثق بالله وأرض به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الصانع الله والله ما لك غير الله من أحد فحسبك الله في كل لك الله أيها الحبيب الكريم! وأختم بهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم والإمام الترمذي وهذا لفظ الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجنبني وإياكم الشرك، وأن يجعلني وإياكم من المحققين للتوحيد، من المخلصين للعبودية والعبادة لله رب العالمين.
وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرد الأمة إليه رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم كن للمسلمين الحفاة وكن للمسلمين العراة وكن للمسلمين الجياع في وقت تخلى فيه الجميع عنهم في البوسنة والهرسك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم وفق حكام المسلمين لما تحبه وترضاه، الله احفظ حكامنا وثبت علماءنا وفرج كربنا وكربهم برحمتك يا رب العالمين، اللهم فرج كرب العلماء، اللهم فرج كرب الأتقياء، اللهم فرج كرب الأصفياء، اللهم فك سجن المسجونين وأسر المأسورين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أحبتي في الله! صلوا وسلموا على نبينا وحبيبنا محمد كما أمرنا الله جل وعلا بذلك في محكم كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
والحمد لله رب العالمين.