أمر الإسلام بالزواج، وحث النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ونهى عن التبتل والرهبانية، وجعل هذا الزواج بهذه الأصول وتلك الضوابط من سنته، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته -أي عن عبادة رسول الله- فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها -أي: كأنهم تقالوا عبادة النبي عليه الصلاة والسلام- فقالوا: وأين نحن من رسول الله وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا -وفي رواية الإمام مسلم: فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قام وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا).
صاحب الأخلاق عليه الصلاة والسلام يقول:(أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟) أي: هل أنتم الذين قلتم: أنا أصلي الليل أبداً، وأنا أصوم النهار أبداً، وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج؟ قال:(أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني!).
النبي عليه الصلاة والسلام حث الشباب المسلم على أن يغض بصره، وعلى أن يحصن فرجه بهذه النعمة العظيمة نعمة الزواج، وحث غير القادر على الصيام، فإنه خير سياج وخير وقاية وأعظم ضمان، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:(يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي: وقاية من الوقوع في الفاحشة والمعصية، إذا ما راقب الله جل وعلا، واتقى الله عز وجل، وعلم أن الله يعلم سره ونجواه: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب وصدق الله جل وعلا إذ يقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:٧] أي: معهم بعلمه، معهم بقدرته، معهم بإحاطته، معهم بإرادته جل وعلا، ولا تجعلوا معية الله في الأماكن معية الذات حتى لا تقعوا فيما وقع فيه أهل الحلول والاتحاد وأهل التشبيه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]،٠ {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:١٠٣] إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩].
(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أي: فمن لم يستطع باءة الزواج ومئونة الزواج (فعليه بالصوم فإنه له وجاء).