يحسن بنا أن نبين أنواع الخلاف؛ حتى لا ينسحب هذا الحكم على نوعي الخلاف، وهذا هو العنصر الثاني من عناصر المحاضرة، فالخلاف نوعان: النوع الأول: خلاف في أصل الملة، وهذا هو الذي قال الله عنه:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:١١٨ - ١١٩] اتفق على ذلك أئمتنا كـ ابن تيمية والشاطبي والحافظ ابن رجب والإمام ابن حزم وغيرهم من أهل الأحكام وأهل الأصول، قالوا: الخلاف الوارد في الآية إنما هو خلاف في أصل الملة، فمن خالف التوحيد كان أهلاً لعذاب الله، وخرج من رحمة الله، فكل فرق الضلال التي خرجت عن القرآن والسنة خارجة عن رحمة الله، وهي أهل لعذاب الله، فتدبر معي جيداً.
إذاً: هذا هو النوع الأول من أنواع الخلاف، وهو خلاف في أصل الملة، فكل فرق الضلال كالخوارج، كالقاديانية، كالبهائية، كالرافضة بطوائفها، كل فرق الضلال التي شذت عن القرآن وسنة سيد الرجال فهي التي خرجت عن رحمة الكبير المتعال، وهي أهل لعذاب الله عز وجل، {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:١١٨ - ١١٩]، فمن كان على القرآن والسنة فهو أهل للرحمة، ومن شذ عن القرآن والسنة فهو أهل للعذاب وللنقمة.
النوع الثاني من أنواع الخلاف: الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية، وهذا باتفاق أئمة السلف أنه لا إشكال فيه، ولا غضاضة فيه، بل لقد أثبت الله لأهله محض الرحمة، فأول من اختلف في الفروع والمسائل الاجتهادية هم أصحاب خير البرية، وقد حصل لهم محض الرحمة من رب البرية جل وعلا.
تدبر معي جيداً: الخلاف في مسائل الفروع، الخلاف في المسائل الاجتهادية لا يخرج أصحابه من رحمة رب العباد، أما الخلاف المذموم فهو الخلاف في أصل الملة، الخروج عن أصل التوحيد وعن سنة محرر العبيد، أما الخلاف في مسائل الفروع، في مسائل الاجتهاد؛ فلا غضاضة في ذلك ولا إشكال، فلقد اختلف خير الرجال من أصحاب سيدنا رسول الله في بعض المسائل الاجتهادية، وقد حصلت لهم محض رحمة رب البرية، فهم أهل الرحمة باتفاق أئمة السنة والجماعة.
فقس على نوعي الخلاف حتى لا تختلط بين يديك الأوراق: خلاف في أصل الملة وهو شر كله، وخلاف في المسائل الفرعية والاجتهادية، ولا إشكال في هذا النوع من أنواع الخلاف.