يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير آية الإدناء في سورة الأحزاب: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: -واحفظوا هذا القول لـ ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه سيفترى عليه قولاً آخر- أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني -وعبيدة السلماني هو التابعي الجليل الفقيه العلم، آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة في المدينة حتى مات رحمه الله، وقد فسر آية الإدناء تفسيراً عملياً وفعلياً وواقعياً يوضح ما كان عليه نساء الصحابة رضي الله عنهن جميعاً- يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب:٥٩]، يقول: فأخذ بثوبه فغطى رأسه ووجهه، وكشف ثوبه عن إحدى عينيه.
هذه صورة فعليه عملية للتابعي الجليل الذي عاش في المدينة المنورة في زمن عمر رضي الله عنه وإلى ما بعده، وهو يوضح فعل الصحابيات وما كن عليه رضي الله عنهن، فإلى الله المشتكى والله المستعان على ما قيل كذباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنهم أجمعوا إجماعاً فعلياً على وجوب كشف الوجه والكفين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! يقول الإمام الرازي في آية الإدناء أيضاً: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الريبة فيها.