[سبب رد أقوام عن حوضه صلى الله عليه وسلم]
اسمع! وانتبه! فإن كل منتسب لأمة النبي مغرور ومخدوع يقول: إن لم أدخل الجنة أنا أيدخلها بطرس شلودة أنا الذي سأدخل الجنة, اسمع! لتعلم أن كل من غير وبدل وابتدع وانحرف عن هدي رسول الله سيحال بينه وبين حوض رسول الله في أرض المحشر, لن يعرفه النبي ولن يتقدم إليه النبي, حوض المصطفى في أرض المحشر الناس في حاجة إليه شديدة, الزحام يخنق الأنفاس, والشمس فوق الرءوس كلها في أرض واحدة من لدن آدم في هذا الظرف الرهيب، المصطفى واقف على حوضه, والحوض ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك, كيزانه بعدد نجوم السماء, من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يتمتع بالنظر إلى وجه الملك في الجنة, اللهم اسقنا شربة هنيئة مريئة, لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض -أي: سأسبقكم- يوم القيامة لأقف على الحوض فمن مر عليّ شرب, ومن شرب لا يظمأ أبداً, لَيَرِدَنّ عليّ الحوض قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم -وفي لفظ في الصحيح: ثم يختلجون -أي: يمنعون ويصدون- فيقول المصطفى: إنهم من أمتي إنهم من أمتي فيقال للحبيب: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول المصطفى: سحقا سحقاً -أي: بعداً بعداً لكل من غير بعدي-).
الاتباع امتثال الأمر والنهي للحبيب محمد.
هذا هو سبيل الفوز والنجاة.
معاذ بن جبل ينام على فراش الموت ويدخل عليه الليل فيشتد به الألم والوجع فينظر إلى أصحابه ويقول: [هل أصبح النهار؟ فيقولون: لا لم يصبح بعد, فيبكي معاذ بن جبل -حبيب رسول الله الذي قال له: والله يا معاذ إني لأحبك- ويقول: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار] يخشى معاذ بن جبل أن يكون من أهل النار.
وهذا هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه ينام على فراش الموت، فيدخل عليه ابن عباس ليذكره وليثني عليه الخير كله, فيقول له عمر: [والله إن المغرور من غررتموه, والله لو أن لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه] ثم قال عمر: [وددت أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا عليّ].
وهذه هي عائشة تسأل عن قول الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:٣٢] , فتقول عائشة: [يا بني! أما السابق بالخيرات فهؤلاء الذين ماتوا مع رسول الله وشهد لهم رسول الله بالجنة, وأما المقتصد فهؤلاء الذين اتبعوا أثر النبي حتى ماتوا على ذلك, وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك] فجعلت عائشة نفسها معنا جعلت نفسها من الظالمين لأنفسهم.
وهذا سفيان الثوري إمام الدنيا في الحديث ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له حماد: أبشر يا أبا عبد الله! إنك مقبل على من كنت ترجوه وهو أرحم الراحمين, فبكى سفيان وقال: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلي ينجو من النار.
ونحن جميعاً نقول: من منا لن يدخل الجنة؟ من منا لن يشفع له رسول الله؟ هاهو الحديث في البخاري يبين لنا فيه الحبيب النبي أنه سيحال بينه وبين أقوام من هؤلاء الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا عن سنته صلى الله عليه وسلم؟