إن المناهج التعليمية في مدارسنا وجامعاتنا تُحسن أن تعلم الجيل المعارف والمعاني والعلوم، ولكنها لا تُحسن أن تُعلم عيونهم الدموع، ولا قلوبهم الخشوع، لا تُجيد هذا أبداً، قد يدرس الشاب في كلية من الكليات أربع سنوات، لا يدرس في كتاب واحد كلمة تقربه من الله أو تبعده عن المعصية، وأنا أتحدى من يعارض، يدرس الشاب أربع سنوات لا يجد آية تقربه إلى الله، ولا يجد قدوة بين يديه يذكره بالله، بل قد يرى الأستاذ الدكتور ينظر إليه وهو يسخر منه، إذا رأى الشاب قد جلس وحده بعيداً عن الفتيات، يقول له: يا فلاح! اقترب من زميلاتك، ورب الكعبة لقد قيلت لي يوماً من الأيام.
سبحان الله! حتى الأستاذ! فالعملية التعليمية برمتها تحتاج إلى مراجعة، اختلاط مدمر، وأعتقد أنه قد آن الأوان ليحترم كل منصف نفسه، ولا يقول: بأن الاختلاط سيخفف حدة الكبت الجنسي عند الصنفين والنوعين، كلام لم يعد رجل يحترم نفسه يقول به الآن، فهاهي نتيجة الاختلاط ظاهرة وبينة، اختلاط بين شباب وفتيات في سن المراهقة، وفي سن خطير، نقدم النار ونقربها من (بنزين)، ونقول: إياك أن تشتعلي أيتها النار!
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
أمر عجب! مستحيل أن شاباً له غريزته وشهوته، وشابة أو فتاة لها غريزتها وشهوتها، متعطرة ومتزينة ومتجملة، كأنها ما خرجت إلا لمسرح أو لسينما، وما خرجت إلى الحرم الجامعي، وشاب مسكين، ماذا تنتظرون -يا سادة- بعد هذا؟ وقد أمر الله الصحابة وهم أطهر القلوب على وجه الأرض بعد الأنبياء، إذا كلموا أمهات المؤمنين أن يكلموهن من وراء حجاب:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب:٥٣] إن أصلنا ذلك على صفحات المجلات نتهم نحن بالتطرف والإرهاب، تقول صحفية تنكر عليّ: إنه يحرم الاختلاط في الجامعة والمواصلات والمدارس، إنه التطرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أصبحت الأصول تطرفاً، وأصبحت أصول هذا الدين خروجاً، اختلاط سافر بين الشباب والفتيات، وانظروا إلى التاريخ الإسلامي في كتب أبنائنا، حصة الدين ثانوية بل في آخر اليوم الدراسي، يقول لي ولدي: يا أبتي! إن المدرسة التي تدرسني الدين متبرجة، تلبس القصير، فقلت لها: يا أستاذة! التبرج حرام، فقالت له: اسكت يا حمار! وجاء ولدي يقول لي: حصة الدين، يدخل علينا المدرس ربما (بالسيجارة) ومدرسة ربما متبرجة قد كشفت عن شعرها لتدرس أبناءنا وبناتنا حصة الدين في آخر اليوم الدراسي، وقد تعب الطلاب، ولا يفهمون شيئاً، بل ويسعد الأبناء سعادة غامرة بمدرس يدخل ليقضي حصة الدين في الفكاهات والكلام الفارغ، حتى تنتهي الحصة والأبناء سعداء بهذا كله.
حذفت من كتب أبنائنا قصة الفدائي الصغير: علي بن أبي طالب، يوم أن فدى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، أبحث في الكتاب عن الفدائي الصغير فلم أجده، قلت: لعلهم وضعوا الفدائي الكبير أبا بكر أو عمر، وإذا بهم في مثل هذا الموضع يضعون قصة مخترع السينما بدلاً من علي بن أبي طالب، والله لا نقول هذا للإثارة أبداً، وإنما أحمل الجميع المسئولية أمام الله، فمحال أن يخلو هذا الجمع الكبير المهيب من مسئول له كلمة تُسمع، فاتق الله أيها الحبيب! وقل قولة حق، بأسلوب طيب رقيق رقراق، لعل الله أن ينفع بكلمتك، ويرفع بنصيحتك الضرر الكبير عن أبنائنا وبناتنا، وفي الجملة عن هذه الأمة المسكينة.