السبب الثاني الذي دعاني للحديث بمقدمة طويلة في أصول التربية هو: الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية.
أيها الأحبة الكرام! لقد هزمت الأمة المسلمة هزيمة نفسية منكرة يوم أن تخلت عن موكب الهدى، وركب النور، وتنكبت الصراط، وتركت أصل العز والشرف، وراحت تلهث وراء الشرق تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى.
تخلفت الأمة في وقت تقدمت فيه الحضارة المادية المذهلة تقدماً يأخذ العقول ويبهر العيون! ثم أفاقت الأمة بعد هذا التقدم العلمي المذهل، ونظرت إلى هذا التطور العلمي نظرة الملهوف الذي فقد كل شيء، وغدا مستعداً للذوبان في أي بوتقة، لا سيما في بوتقة هذا التقدم المادي المذهل! فراحت الأمة تحاكي هذه الحضارة الغربية الكافرة، ولا تفرق على الإطلاق بين الحضارة المادية العلمية الصناعية، وبين الحضارة التربوية الأخلاقية، وراحت الأمة تحاكي وتقلد دون تفريق إلا من رحم الله جل وعلا، وصدق فيها قول من لا ينطق عن الهوى كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن!) أي: من غير اليهود والنصارى؟! راحت الأمة تحاكي الكفار محاكاة عمياء، وصرخت أصوات المحررين، وأصوات المجددين، وأصوات المطورين، وأصوات المصلحين، هكذا سماهم أعداء ديننا للي أعناق الناس إلى أفكارهم لياً، ولإرغام أنوف الناس إلى مناهجهم التربوية الخبيثة، فراحوا يصرخون في الأمة بالذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة على عقيدتنا وديننا وإسلامنا، باعتبار أن هذه المناهج هي إكسير السعادة وسر الحياة وبلسم الشفاء لهذه الأمة التي تعثرت في هذا الموقف الخطير! فراحت الأمة تحاكي الكفار دون تفرقة بين الحضارة المادية والحضارة التربوية الأخلاقية.
وبعد تجربة طويلة مريرة، جاءت الأمة في وقت الحصاد لتحصد الفشل الذريع في الجانب التربوي والأخلاقي في كل صوره، وأصبح الذين كانوا ينافحون ويدافعون بالأمس القريب عن المناهج التربوية الغربية أصبحوا يعلمون يقيناً أنهم حصدوا سراباً، وزرعوا شوكاً وحنظلاً، وقطفوا شقاء وتعاسة، فنحن بحق وبكل ثقة -وأقولها برأس يناطح السماء- نحن بحق نملك المنهج التربوي المتكامل الفذ الفريد؛ لأننا نملك الإسلام الذي يملك وحده -بلا منازع- المنهج التربوي المتكامل لكل جزئيات الحياة، نملك هذا المنهج العظيم، وما زال الإسلام شامخاً يعرض نفسه على الإنسانية كلها على أنه وحده هو المخلص للإنسانية من هذا الضيم، ومن هذا الشقاء، بعد أن أحرقها لفح الهاجرة القاتل، وأضناها طول المشي في التيه والضلال، يعرض الإسلام نفسه كمخلص لهذه الإنسانية كلها؛ لأنه ابتداء وانتهاء منهج الله الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
أيها الخيار الكرام! وفي دياجير هذا الظلام لا أنكر على الإطلاق، كما لا ينكر ذلك على الإطلاق أحد يتابع أحوال الأمة، لا ننكر أن الأمة الآن بفضل من الرحيم الرحمن بدأت تنتقل من أخطر مراحلها، من حالة أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، وهانحن نرى أصدق دليل عملي على كلامي هذا، ألا وهو هذه الصحوة الإسلامية الكريمة المباركة، التي بدأت تنقل الأمة حقيقة من تلك المرحلة التعيسة إلى هذه المرحلة الوضيئة المشرقة، فهانحن نرى بفضل الله جل وعلا صحوة كريمة مباركة بدأت تتنزل بفضل الله في كل بقاع الدنيا كتنزل حبات الندى على الزهرة الضمأى والأرض العطشى، أو كنسمات ربيع باردة عطرتها وطيبتها أنفاس الزهور، هانحن نرى ثلة كريمة مباركة من شباب في ريعان الصبا، وفتيات في عمر الورود، هذه الكوكبة الكريمة التي جاءت لتسير على طريق الدعوة الطويل الضارب في شعاب الزمان من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، جاءت هذه الكوكبة لتمضي على ذات الطريق، مستقيمة الخطى، ثابتة الأقدام، تجتاز الصخور والأشواك والحجارة، تسيل دماء، وتتمزق أشلاء هنا وهناك، ولكن الركب الكريم في طريقه لا ينحني، ولا ينثني، ولا يحيد؛ لأنه على ثقة مطلقة، ويقين متكامل أن معه الحق الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، والجنة والنار، ومن أجله أنزل الله الكتب، ومن أجله أرسل الله الرسل، إنه والله لصبح كريم عظيم جليل مبارك، صبح هذه الصحوة الكريمة المباركة: صبح تنفس بالضياء وأشرق والصحوة الكبرى تهز البيرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا وقوافل الإيمان تتخذ المدى درباً وتصنع للمحيط الزورقا وما أمر هذي الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طابت ثرى فنما لها جذع قوي في التراب وأعذقا هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا يا نهر صحوتنا رأيتك صافياً وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى قالوا تطرف جيلنا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوكان إرهاباً جهاد نبينا أم كان حقاً بالكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأطرقا إن التطرف أن نبادل كافراً حباً ونمنحه الولاء محققا إن التطرف وصمة في وجه من حولوا البوسنة جمراً محرقا شتان بين النهر يعذب ماؤه والبحر بالملح الأجاج تدفقا يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى في الصف من بعد الإخاء تمزقا لك في كتاب الله فجر صادق فاتبع هداه ودعك ممن فرقا لك في رسولك أسوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا يا جيل صحوتنا ستبقى شامخاً ولسوف تبقى بالتزامك أسمقا هذه الصحوة الكريمة أيها الأحبة! سبب وأصل عملي لانتقال الأمة من مرحلة أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، وهذه الصحوة هي السبب الثالث من أسباب اختياري لهذا الموضوع، وأفصل هذا السبب في وقت وجيز بعد جلسة الاستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.