أيها الأحبة الكرام! إن الإسلام منهج حياة متكامل؛ لا يقوم أساساً على العقوبة، ولكنه يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة، والضمانات الوقائية الأمينة، ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة، والضمانات المأمونة؛ ليتمرغ في أوحال المعصية طائعاً مختاراً غير مضطر، ومن ثمَّ يشدد الإسلام في عقوبة القذف هذا التشديد، ويتوعد على القذف بأشد الوعيد؛ لأن ترك الألسنة تلقي التهم جزافاً بدون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يتهم من شاء، في أي وقت شاء، بتلك التهمة الفظيعة النكراء، ويمضي هذا القاذف آمناً في الجماعة، مطمئناً لا ينكد عيشه، ولا تكدر حياته ولا نفسيته، وإذا بالمجتمعات تصبح وتمسي وأعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة، وكل فرد فيها شاك في أصله، أو شاك في زوجه، أو شاك في بيته، بل وكل بيت فيها مهدد بالانهيار، وهذه حالة من الشك والقلق والريبة لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال، ومن ثمَّ شدد الإسلام هذا التشديد الرهيب على جريمة القذف، وعلى عقوبة القذف، وأوجب على القاذف ثلاثة أحكام.
أولاً: أن يجلد القاذف ثمانين جلدة، إنها عقوبة تقرب من عقوبة الزنا، للزاني البكر ثمانين جلدة، وعقوبة الزنا كما تعلمون لغير المحصن أن يجلد مائة جلدة، أولاً الأحكام التي أوجبها الله على القاذف أن يجلد ثمانين جلدة.
ثانياً: أن ترد شهادته أبداً.
ثالثاً: أن يصبح فاسقاً، أي: ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس، وهذه الشروط متفق عليها بين الفقهاء ما لم يتب القاذف إلى رب الأرض والسماء، ولقد نصت على هذه الأحكام آية محكمة من سورة النور، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٤] ثم يأتي هذا الاستثناء الندي من الرحيم الكريم: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٥].
هذه هي الأحكام التي تترتب على القاذف في هذه الحياة الدنيا.