ثم إن لم تستطع أن تغير هذا المنكر بيدك فبلسانك، بكلمة حلوة رقيقة عذبة.
جرب يا أخي! إذا رأيت منكراً أن تأمر بالمعروف بمعروف، وأن تنهى عن المنكر بغير منكر، فوالله الذي لا إله غيره لتجدن ثمرة ما خطرت لك على بال.
وفي إحدى الزيارات لألمانيا عرفني الإخوة هناك برجل ألماني من الدعاة، وقالوا: هذا الرجل كان يعمل ملاكماً، وأخذ بطولات في الملاكمة، ودعي هذا الرجل ليكرم في بلاد الحرمين في الرياض، يقول لي: وكان من بين الحضور أخت مسلمة تقدمت إلي بحجابها، وقدمت لي هدية، هذه الهدية عبارة عن ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية، دفعت له الهدية وخرجت، يقول: ومضى عشرون عاماً على هذه الهدية لم أفتحها، ولم أعرفها، قال: وبعد عشرين سنة جلست أرتب وأعيد كتبي في مكتبتي الخاصة، فوقعت يدي على هذا الكتاب، وتعجبت! وتذكرت السنوات الخالية، قال: وجلست على كرسي المكتب بسرعة ملفتة، وفتحت هذا الكتاب، وقدر الله أن أفتح على ترجمة سورة الإخلاص:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] فقرأت السورة، يقول: فارتعد جسدي، وبكت عيني، ثم عدت إلى الكتاب من أوله، فقرأت تفسير سورة الفاتحة، قال: فبكيت وخرجت مباشرة إلى المركز الإسلامي، وقلت لهم: ماذا تصنعون إن أردتم أن تدخلوا هذا الدين؟ قالوا: اغتسل، فاغتسل، قالوا: انطق الشهادتين، فنطق الشهادتين.
هذا الرجل العجيب الذي دخل الإسلام للتو ما مكث إلا أياماً تعرف فيها على نزر يسير، ثم أخذ المطويات والكتب والمنشورات وأخذ منضدة، وخرج إلى ميدان عام من الميادين العامة في ألمانيا ووقف، وكان الشباب والفتيات إذا رأوا هذا الرجل وهو معروف نزلوا ليوقع لهم على الأوتجراف، فيدعوهم إلى الإسلام، ويمنحهم المطويات والمنشورات والكتب الصغيرة، يقسم الإخوة لي بالله أنه أسلم على يديه في عام واحد أكثر من مائتي رجل وامرأة، وكل هؤلاء في ميزان الأخت الفاضلة التي أهدته هذه الترجمة.
فيا أخي: غير أنت، ودع النتائج إلى الله، قل كلمة جميلة، إن لم تستطع أن تقولها بلسانك فقلها بلسان عالم مخلص أو داعية صادق؛ بشريط أو بكتاب أو بكتيب أو بمطوية أو برسالة أو بهدية أو بكلمة جميلة، فما عليك إلا أن تزرع، ودع الثمرة لله {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}[إبراهيم:٢٤ - ٢٥] فشجر الناس منه ما يثمر في الشتاء، ومنه ما يثمر في الصيف، ومنه ما يثمر في الربيع أو الخريف، أما الشجرة الطيبة التي ضربها الله في القرآن مثلاً للكلمة الطيبة فهي لا تتأثر بصيف ولا بشتاء، ولا بربيع أو خريف، بل لا تحطمها المعاول، ولا تعصف بها الرياح الهوجاء والأعاصير الشديدة، لأنها متغلغلة في قلب الصخور، وامتدت إلى عنان السماء، إنها الكلمة الطيبة التي تتخطى الحواجز والعقبات والسدود يقيناً، فما عليك إلا أن تخرج هذه الكلمة الطيبة بأدب على منهج رسول الله، ودع النتائج بعد ذلك لله تعالى.
قال الشاعر: بين الجوانح في الأعماق سكناها فكيف تنسى ومن في الناس ينساها الأذن سامعة والروح خاشعة والعين دامعة والقلب يهواها ولم لا؛ وهي كلمة الله جل وعلا؟ ولم لا وهي كلمة الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت لا تقول إلا قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، فغير بلسانك، وقل كلمة جميلة رقيقة رقراقة مهذبة مؤدبة، فنحن لا نتعامل مع ملائكة بررة، ولا مع شياطين مردة، ولا مع أحجار صلبة، إنما نتعامل مع نفوس بشرية فيها الإقبال والإحجام، وفيها الطاعة والمعصية، وفيها الخير والشر، وفيها للحلال والحرام، وفيها الفجور والتقوى، وفيها الهدى والضلال، فلنكن على بصيرة بمفاتيح هذه الأنفس، والمفاتيح هي: الرحمة، والحكمة، والرقة، والأدب، والتواضع، فإن امتثلت هذا المنهج سبرت أغوار النفس، وتغلغلت إلى أعماقها، وبلَّغت من تريد ما تريد من قول الله ومن قول رسول الله.