فهيا جدد التوبة والأوبة، واعلم بأن الله سيفرح بتوبتك مهما عظم ذنبك، وهو الغني عنك، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحتله بأرض فلاة، فانفلتت منه راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع بظلها، فبينما هو كذلك إذ به يرى راحلته قائمة عند رأسه، عليها طعامه وشرابه، فأراد أن يعبر عن فرحته العارمة فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).
ففرح الله بتوبتك إليه أعظم من فرحة هذا العبد بأوبة راحلته إليه، فلمَ التسويف؟! لم التسويف؟! فما من ليلة تمر علينا إلا وربنا جل جلاله يتنزل إلى السماء الدنيا تنزلاً يليق بكماله وجلاله؛ لأنه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]، يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك! من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر.
وفي صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) وأختم بهذا الحديث الرقراق الذي رواه البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة في السبي تبحث عن ولدها، فلما وجدته ألزقته ببطنها فأرضعته، فلما نظر النبي إلى هذا المشهد الرقراق الحاني التفت إلى الصحابة وقال:(أترون هذه الأم طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بولدها)، فتدبر هذا البيان النبوي البليغ، ولذا قال أحد الصالحين: اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي، وأنا أعلم يا سيدي أنك أرحم بي من أمي، وأمي لا ترضى لي العذاب، أفترضاه لي وأنت أرحم الراحمين؟!