أقول: إن العقل السوي فقط هو الذي يرى الإيمان بالله تبارك تعالى ضرورة لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يعيش بدونها، وأقول: إذا كانت الفطرة مزيجاً بين الوجدان والعقل فإن العقل وحده فقط يرى الإيمان بالله تبارك وتعالى ضرورة يستحيل أن يعيش الإنسان السوي بدونها، فإن العقل بغير تعلم وبغير اكتساب يؤمن حتماً بقانون السببية، هذه الورقة في يدي الآن تهتز لسبب، وهذا هو قانون السببية؛ لأنني أحركها، فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية، ويؤمن بهذا القانون إيمانه بكل البدائيات والأولويات التي لا تحتاج إلى دليل، يعني: أنه لا يبنبغي لعاقل إذا رأى الشمس ساطعة فى أفق السماء أن يقول: ما هو الدليل على أن الشمس طالعة؟ فإذا كان كذلك فيجب أن يسأل: ما هو الدليل على وجود عقله في رأسه؟ دخل بعض الملاحدة يوماً على طلابه، وأراد بهذا القانون أن يثبت الضد، فقال لهم: يا أولاد! هل ترون أستاذكم؟ قالوا: نعم، فقال: هل ترون السبورة التي أكتب لكم عليها؟ قالوا: نعم، فقال: هل ترون الكرسي الذي أجلس عليه؟ قالوا: نعم، وتدرج بهذه الأسئلة إلى أن قال: هل ترون الله؟!! قالوا: لا، قال: إذاً: هو غير موجود!! وهؤلاء هم الماديون الأغبياء الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس المرئي، فقيض الله تلميذاً صغيراً من تلاميذه، فاستأذن أستاذه ووقف إلى جواره، واتجه التلميذ إلى زملائه وقال: يا أولاد! هل ترون عقل الأستاذ؟ قالوا: لا، قال: إذاً: هو غير موجود!! أي: أنه مجنون، والمجنون ليس له قيمة! فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية إيمانه بالأمور الأولية الابتدائية التي لا تحتاج إلى دليل على وجودها، فلا يقبل العقل السوي فعلاً بغير فاعل أبداً، ولا يقبل العقل السوي صنعة بغير صانع، بل هذا مستحيل! وهذا القانون هو الذي عبر عنه الأعرابي الأول ببساطة شديدة، حيث لم يتخرج في جامعة من الجامعات، ولا في كلية من الكليات، وإن شئت فقل: ما تخرج إلا من جامعة الفطرة، فحينما سئل عن الله عز وجل قال مستدلاً بعقله الذي آمن بقانون السببية البدائية: البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟! هذا هو القانون ببساطة شديدة، هذا هو الذي عبر عنه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل طيب الله ثراه حينما أمسك البيضة يوماً وقال: هنا حصن حصين، أملس ليس له باب، وليس له منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، وبينما هو كذلك إذ انصدع جداره، وخرج منه حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن، وصوت مليح.
هذا هو القانون الذي عبر عنه الشافعي عندما أمسك ورقة التوت يوماً فقال: ورقة التوت، تأكلها الغزالة فتعطينا مسكاً، وتأكلها الشاة فتعطينا لبناً، وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً، إن الطعام واحد ولو كانت الأمور بالمصادفة العمياء لكانت عصارة الطعام للطعام الواحد واحدة، ولكنها كانت في الشاة لبناً، وكانت في الغزالة مسكاً، وكانت في الدودة حريراً.
ولكن هؤلاء الملاحدة كما قال الله عز وجل:{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦].