ما توقفت حتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أخطر وأخبث وأبرز مراحل الحرب على شخص النبي بعد الموت ما وقع في عام خمسمائة وسبعة وخمسين من الهجرة، فهل تتصور أن الخبثاء المجرمين قد خططوا ودبروا ليخرجوا جثمان النبي الطاهر من القبر، ليفجعوا المسلمين فجيعة لا يقومون بعدها أبداً، هل تتصور ذلك؟! لولا أن الله سلم، فقد رأى السلطان الزاهد العابد نور الدين محمود زنكي أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى رجلين خبيثين أشقرين يحفران في الأرض ووصلا إلى جدار الحجرة النبوية الشريفة، فخرج مع وزيره الصالح الزاهد جمال الدين الموصلي إلى مدينة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس في الروضة بعدما صلى لله وسلم على رسول الله.
فقال الوزير: إن السلطان قد أتى إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يريد أن يلتقي بالأشراف والأغنياء والفقراء ليوزع عليهم من مال الله ما يسر الله عز وجل، وجاء الأغنياء، وجاء الفقراء، والسلطان يتفرس في الوجوه لعله يرى الوجهين اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم له، فلم ير أحداً.
فتعجب الرجل من هذه الرؤيا العجيبة التي تكررت مراراً، فقال السلطان: هل حضر إليَّ كل أهل المدينة؟ قالوا: نعم.
إلا رجلين يجاوران الحجرة الشريفة، وهما من الأغنياء ومن الزهاد، ينفقان الأموال بسخاء على فقراء المدينة.
قال: عليَّ بهما.
فلما دخلا على السلطان صرخ وقال: اللهم صل على محمد، هما والله هما.
وانطلق إلى منزلهما إلى جوار الحجرة النبوية، ودخل البيت بنفسه، فلم ير إلا مصحفين شريفين، ورأى أموالاً طائلة، فظل يدور والناس يعجبون من صنيع السلطان ولا يعرفون شيئاً على الإطلاق، فوجد حصيراً في جانب من جوانب البيت فكشفه فوجد سرداباً تحت الأرض، فنزل في هذا السرداب ومشى فيه حتى وصل إلى جدار الحجرة النبوية، فأمر بقتلهما على جدار الحجرة، وهو يبكي لما ناله من هذا الشرف العظيم.
وقد ذكرت هذه القصة كل كتب التاريخ التي أرخت لتاريخ المدينة النبوية الطاهرة المشرفة، كتاريخ المدينة المنورة للسمهودي، والمطري، والمراغي، ومحب الدين الطبري وغيرهم، كل كتب التاريخ التي أرخت للمدينة ذكرت هذه الحادثة المشهورة.