[هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟]
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟
و
الجواب
نعم، الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجة والنسائي والبيهقي وابن سعد في الطبقات وغيرهم، وهذا لفظ حديث البخاري في كتاب الطب من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من بني زريق من حلفاء يهود كان منافقاً يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله -لا إله إلا الله- تقول عائشة: حتى إذا كان ذات يومٍ أو ذات ليلة دعا رسول الله ثم دعا، ثم قال: يا عائشة! أرأيتِ أن الله جل وعلا قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ فلقد أتاني رجلان، قعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ -أي: مما يشكو النبي صلى الله عليه وسلم- فقال الآخر: مطبوب، -أي: مسحور- فقال الأول: ومن طبه؟ -أي: ومن سحره؟ - فقال الثاني: لبيد بن الأعصم.
فقال الأول: وفي أي شيء؟ -يعني: في أي شيءٍ سحره؟ - فقال الثاني: في مشطٍ ومشاطة وجف طلع نخل ذكرٍ) المشط معلوم، والمشاطة: هو ما يسقط من الشعر وشعر اللحية بعد الترجيل أي: بعد التسريح، ومن ثم ينبغي ألا نفرط في هذا الأمر أو أن نهمله قالت: (قال جبريل -وهو المتكلم في هذا الحديث- لصاحبه: سحره في مشطٍ ومشاطة) أي: في شعر رأسه وفي شعر لحيته الذي سقط من إثر التسريح والترجيل (وفي مشطٍ ومشاطة وجف طلعٍ ذكر) والطلع: هو العشب أو الغشاء الذي يطلع على النخلة أي: على نخلة البلح، هذا هو سحر النبي صلى الله عليه وسلم: (فقال الأول: وفي أي مكانٍ هو؟ فقال الآخر: في بئر ضروان، بئرٌ في المدينة المنورة تقول عائشة: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البئر في نفرٍ من أصحابه ثم جاء فقال: يا عائشة! كأن ماءها -أي: كأن ماء البئر- نقاعة الحناء -أي: لون الماء كنقع الحناء- وكأنه رءوس الشياطين، قالت: أفلا استخرجته؟ فقال: قد عافاني الله عز وجل وخشيت أن أثير على الناس شراً فأمر بها فدفنت).
وفي رواية عائشة وابن عباس عند البيهقي في الدلائل: (أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] فقال النبي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] فحل جبريل عقدة، فقال: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:٢] فحل عقدة حتى إذا فرغ منها قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] فحل عقدة حتى فرغ منها قام النبي وكأنما قد نشط من عقال) قام النبي بأبي هو وأمي وكأنما نشط من عقال، من قيودٍ وأغلال.
وهنا أحبابي قضية خطيرة ألا وهي أن هناك ممن ينتسب إلى العلم من رد هذا الحديث وأنكره وقال: بأن هذا الحديث باطلٌ ومقدوحٌ في سنده، لماذا؟ قالوا: لأن عقولنا تنكر هذا الحديث وتأباه وما تنكره العقول لا يمكن على الإطلاق أن يكون من المنقول، وهذه شنشنة قديمة حديثة، أثارها قديماً هؤلاء وأثارها حديثاً أفراخ المعتزلة الذي يقدمون العقل على النقل، ويرون أن عقولهم فقط هي الميزان الدقيق الحساس الذي من خلاله يحكمون به على صحيح الحديث أو ضعيفه وسقيمه، ويا للعجب لو كان الأمر أن تقف العقول أمام كل حديث، فإذا ما وافق الحديث العقل قبلناه، وإذا ما عارض الحديث العقل رددناه، لأصبحت سنة النبي ألعوبةً في أيدي البشر، فهذا حديثٌ يراه هؤلاء مقبولاً للعقل، وهذا حديث لا يراه هؤلاء مقبولاً للعقل، ومن ثم تضيع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن هناك من القواعد والمناهج والضوابط والأصول ما وضعه علماء سلف الأمة من المحدثين الجهابذة الكبار، ما يستطيعون به -كتجار الصرافة المهرة- أن يفرقوا بين صحيح الحديث وسقيمه، ولا ينبغي على الإطلاق لأحدٍ أن يأتي ليتجاوز هذه القواعد والنصوص والأصول والضوابط ليحكم على كل حديثٍ بعقله فما قبله العقل قبله وما رده العقل رده، وهذه شنشنة خطيرة، ورضي الله عنه علي بن أبي طالب إذ يقول: [لو أخذ الدين بالعقل لكن المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه] أنت حينما تمسح على خفك، تمسح على باطنه الذي تطأ به الأرض؟ أم تمسح على أعلاه؟ تمسح على أعلاه، وما الذي ينبغي أن يمسح عليه؟ يمسح على الباطن، إن كان ذهنك أنك تريد بذلك الطهارة لأن باطن الخف هو الذي يمشي على الأرض، ولكن الله جل وعلا والرسول أمر بالمسح على أعلى الخف لا على باطنه، فلو كان الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه.
ولذلك يا أحبابي! لا ينبغي أن يتجاوز العقل حده على الإطلاق، نور الوحي لا يطمس نور العقل أبداً بل يباركه ويقويه ويزكيه ويعينه، شريطة أن يذعن العقل وأن يسلم لله رب العالمين، كما انقاد كل من في الكون لله رب العالمين.
أما أن يكون مقياسنا إذا كان العقل بارعاً في أمر من أمور الدنيا، وفي أمرٍ من أمور العلم فإنه حتماً يكون دقيقاً في أمر الوحي وفي أمر النصوص المنقولة، كلا على الإطلاق، وأضرب لكم بعض الأمثلة السريعة: هذا هو العقل الروسي الجبار شعاره يؤمن بثلاثة ويكفر بثلاثة؛ يؤمن بـ لينين، واستالين، وماركس، ويكفر بالله، وبالدين، وبالملكية الخاصة، هذا عقل.
وهذا هو العقل الأمريكي الجبار الذي فعل ما فعل، بل وعُبِدَ اليوم في الأرض من دون العزيز الغفار، هذا هو العقل الأمريكي الجبار يدافع إلى يومنا هذا عن الشذوذ الجنسي، وعن زواج الرجل للرجل، وما أمر الانتخابات الأخيرة لرئيسهم منا ببعيد، ولقد وعد الشواذ أن يأذن لهم بالدخول والالتحاق بالجيش، وهذا العقل أيضاً يدافع عن العنصرية اللونية البغيضة، وما أحداث لوس أنجلوس منا ببعيد هذا عقل.
وهذا هو العقل اليوناني يدافع عن الدعارة.
وهذا هو العقل الروماني يدافع عن مصارعة الثيران.
وهذا هو العقل الهندي يدافع عن إحراق الزوجة مع زوجها، وهو أيضاً يدافع إلى يومنا هذا عن عبادة البقرة والفئران وعن عبادة عضو الذكورة عند الرجل، هذا عقل.
وهذا هو العقل العربي في جاهليته الأولى يدافع عن وأد البنات وهن أحياء.
وهذا هو العقل العربي في جاهليته المعاصرة يدافع عن البعثية العفلقية الكفرية، فيقول قائلهم:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني
ويقول آخر:
هبوني عيداً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم
سلام على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
هذا هو العقل ما قيمته؟ حقير تافه إذا انفك عن نور الوحي، وتحدى المنقول الصحيح من القرآن والسنة، لا قيمة له ولا وزن له.
هذا هو العقل المارد العملاق الذي يفجر الذرة في الجانب المادي، يفجر الكفر والإلحاد والزندقة في الجانب الديني.
هذا هو العقل البشري الذي غاص في الجانب المادي في أعماق البحار، يغوص في الجانب الديني في أعماق الكفر والزندقة والأوحال.
إذاً نور الوحي لا يطمس نور العقل، بل يباركه ويقويه ويزكيه شريطة أن يعرف العقل قدره وحده، وألا يتخطاه، وألا يتجاوزه، وأن يعلم يقيناً أن المنقول الصحيح حتى ولو لم يقبله ينبغي أن يذعن له، وينبغي أن ينقاد له، فليس كل ما يرده العقل غير صحيح.
ولكن نقول رداً عليهم بأن هذا الحديث باطلٌ ومقدوحٌ في سنده، نقول: إن الحديث مخرجٌ في أصح كتابين بعد كتاب الله جل وعلا، ألا وهما صحيح البخاري ومسلم، وإذا رأيت -أخي في الله- الحديث في الصحيحين وقد اتفق عليه الشيخان؛ فاعلم بأن الحديث قد ارتقى إلى أعلى قمم الصحة، وإذا رأيت الرجل يقدح في حديثٍ في الصحيحين فاعلم أن بضاعته في الحديث مزجاة هذا إن أحسنا الظن به.
أما القدح الذي ينبغي أن نقف أمامه حقاً أنهم قالوا: إن هذا الحديث يقدح في نبوة المصطفى وفي عصمته والله جل وعلا يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] وهذا الحديث يؤيد قول المشركين الذي حكى الله عنه: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:٨] هذه تستحق التوقف والتدبر والجواب بدقة، والجواب بعون الله جل وعلا: إن هذا القول يقدح في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح لماذا؟ لأن النبي معصومٌ باتفاقٍ في جانب التبليغ والتشريع والدعوة عن الله جل وعلا، معصومٌ في هذا {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤] وما ينطق عن الهوى في كل ما يبلغه عن ربه، ولكن هناك أمور قد يخطئ فيها النبي من أمور الدنيا، وما قصة تأبير النخل منا ببعيد وإلى آخره، أما ما يبلغه عن ربه وما ينقله عنه فلا يمكن على الإطلاق أن يخطئ فيه أو أن يزل فيه قيد أنملة بوعد الله جل وعلا: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:١ - ٤].
أما سائر الأعراض الدنيوية التي تسري على الناس من مرض وألم وفتنة ومحنٍ وابتلاءات، فهذه تصير على النبي كما تصير على غيره من سائر البشر، وقد قال الله جل وعلا حكاية