[خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية والأدلة على تحريمها]
الخلوة هي: أن ينفرد الرجل بامرأة أجنبية عنه في غيبة عن أعين الناس، هذه خلوة محرمة في دين الله، ولو كانت بين أصلح الرجال وأتقى النساء فهي حرام في دين الله جل وعلا.
والأدلة على تحريمها من شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، من هذه الأدلة -أيها الأحبة- حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) وفي رواية أخرى في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون أحدكم بامرأة ليس معها ذو محرم، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجّة -خرجت تحج بيت الله الحرام- وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا) أتدرون ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ارجع فحج مع امرأتك) هل تفلسف هذا الرجل وقال: لا يا رسول الله! كيف أدع الجهاد في سبيل الله وأذهب لمرافقة زوجتي؟ أنا أثق في أخلاقها يا رسول الله! أنا لا أشك في تربيتها يا رسول الله! كيف تأمرني بهذا وهي بنت بيت التقى والورع والدين والالتزام، لا، إن المرأة هي المرأة وإن الرجل هو الرجل، والمرأة تضعف أمام شهوتها وغريزتها ولو كانت ذات شرفٍ ومنصبٍ وجمال إلا لمن عصم الكبير المتعال جل وعلا.
فرجع الرجل فحج مع امرأته بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي مكانتك عندنا أيتها الأخت الكريمة الفاضلة، هذه هي مكانتك أيتها المسلمة الكريمة، أنت درتنا المصونة، أنت لؤلؤتنا المكنونة التي حرص الإسلام على ألا تمتد إليك الأيدي العابثة، ولا أن تلوثك النظرات الآثمة، لا والله، بل أنت مكرمةٌ في دين الله وعزيزة في شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث -أيها الأحباب- الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي في سننه وقال: حديث حسنٌ صحيح، ورواه الإمام الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) هذا كلام الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى.
أسمعت أيها الحبيب الكريم؟ أسمعتِ أيتها الأخت الكريمة الفاضلة؟: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) لا تقل: أنا أثق في أخلاق المرأة، ولا تقل: أنا أثق في تربيتها، ولا تقل: أنا أثق في أخلاق الرجل، وأثق في ورعه وزهده وتقواه، المرأة امرأة، والرجل هو الرجل: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) بشهادة من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان) هذا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، إن الشيطان ثالثهما وشريكٌ في هذا اللقاء، فيزين المرأة للرجل ولو كانت دميمة، وسيزين الرجل للمرأة ولو كان قبيحاً، وكثيراً ما نرى من الجرائم والحوادث التي ينخلع لها القلب.
إننا نرى رجلاً قد ارتكب معصية الزنا مع امرأةٍ وهو متزوج، ولو نظرت إلى زوجته لرأيت أن الله قد أعطاه امرأةً حسناء جميلة، على خلقٍ ودين، وذهب إلى امرأةٍ قبيحة دميمة ليفعل بها الفاحشة، ما هذا؟! إن الشيطان قد زينها له، وزينه لها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان) ما معنى استشرفها؟ علاها، أي: علا الشيطان المرأة، إنها جنديٌ من جنود إبليس إذا خرجت على غير شرع الله وعلى غير الضوابط التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا خرجت استشرفها الشيطان، فيزينها في قلوب الرجال، ويزين الرجال في قلبها، وربما تكون المرأة تقية نقية طاهرة وخرجت لحاجة من حوائجها الضرورية دينية كانت أو دنيوية، إلا أن الشيطان لا يدعها وإنما يزينها للرجال -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- فما ظنك بعد ذلك بامرأة متبرجة متعطرة متزينة متكسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ولذا أيها الأحباب: حذر النبي صلى الله عليه وسلم، تحذيراً صريحاً واضحاً كما في حديث البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء -تحذير شديد اللهجة- فقام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت) وزاد مسلم قال الليث: الحمو: أخو الزوج وأقارب الزوجة من غير المحارم، إذا دخل أخوك على زوجتك وخلا بها فهي خلوةٌ محرمة في دين الله.
سترى كثيراً من الناس يعجبون لهذا الكلام، ويقول: ما هذا التنطع والتطرف يا شيخ؟! إنه أخي يدخل على أولادي ماذا في هذا؟! ما هذا التطرف الذي أنتم فيه؟! ما هذا الدين الجديد الذي جئتمونا به؟! هل أخي لا يدخل على زوجتي في غيبتي؟! نقول: نعم، لا يدخل عليها، إنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، دين الله -يا عبد الله- هل أنت أعلم بالناس من الله؟ هل أنت أعلم بطبائع البشر ممن لا ينطق عن الهوى، من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الحمو هو: أخوك وأقاربك، وأقارب الزوجة من غير المحارم لا يدخلون على الزوجة في غيبتك، وإلا فالموت والهلاك والدمار بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) الهلاك في ذلك، وربما لا تقع المعصية من أول مرة، والشيطان له خطوات: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:٢٠٨] وله مداخل -يا عباد الله- لا تقل: أنا أثق فيها، إنها امرأة يا عبد الله! وإنه رجلٌ يا عبد الله! هل يقرب (البارود) من النار ونقول: إننا قد وضعنا تحذيراً شديداً للنار ألا تشتعل في (البارود)؟! إنه خداعٌ في خداع، لا يدخل أخوك على زوجتك في غيبتك.