[رسالة إلى أهل العافية من البلاء]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! كان من الواجب أن أختم هذا اللقاء برسالة أوجهها إلى أهل العافية من البلاء، أذكر نفسي وإياكم جميعاً وأقول: اسجدوا لله شكراً على العافية بعد الإسلام، فإن الصحة تاجٌ يتلألأ على رءوس الأصحاء، لا يراه ولا يعرف قدره إلا المرضى.
يا منْ مَنَّ الله عليك بالعافية بعد الإسلام! اسجد لربك شكراً على هذه النعمة، واعلم بأن نعم الله عليك لا تعد ولا تحصى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:٣٤].
يا من تستغل العافية من الله ونعمة الله عليك في معصيته! أما تستحي؟! أما تستحي يا من تتجرأ على معصية الله بنعمة الله؟! يا من استخدمت بصرك في تتبع العورات والحرام أما تستحي؟! تذكر من فقد بصره.
يا من استخدمت سمعك في سماع الحرام! أما تستحي؟! تذكر من فقد سمعه.
يا من استخدمت يدك في البطش والظلم! أما تستحي؟! تذكر من فقد يده.
يا من استخدمت قدمك في السعي لمعصية الله! أما تستحي؟! تذكر من ألزمه المرض الفراش.
يا من استخدمت منصبك وكرسيك الذي جلست عليه لظلم العباد وللتسفيه والتحقير لخلق الله! أما تستحي؟! تذكر ضعفك وفقرك وعجزك، فأنت مسكين ضعيف، ولولا أن الله عز وجل قد أطلق لك البدن للزمت الأرض وللزمت الفراش، فإياك أن يغرك مركزك ومنصبك، وجاهك ووجاهتك، فأنت ضعيف أيها المسكين، تحمل البصاق في فمك، والمخاط في أنفك، والعرق تحت إبطيك، وتحمل البول في مثانتك، وتحمل والنجاسة في بطنك، وتمسح عن نفسك النجاسة بيدك كل يوم مرة أو مرتين {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦] يا من غرك جاهك! اعلم أن الله عز وجل قادر على أن يسلبه منك، واعلم أن كرسيك إلى زوال، وأن منصبك إلى فناء، إذ لو دام الكرسي الذي جلست عليه لأحد ما وصل إليك، فاعلم بأن الدنيا كلها إلى زوال، وبأن المناصب كلها إلى فناء.
أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي بل أين فرعون وهامان أين من دوخو الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه للسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان وصدق الله إذ يقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧].
تذكروا هذا يا أهل العافية! فهناك من الناس من يظن أن الرزق هو المال، وينسى نعمة العافية، ونعمة الصحة، ونعمة الإسلام قبل ذلك.
النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هي القناعة فالزمها تكن ملكاً لو لم تكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفن ولله در القائل: دع الحرص على الدنيا وبالعيش فلا تطمع ولا تجمع من الحرام فلا تدري لمن تجمع فإن الرزق مقسوم وسوء الظن لا ينفع فقير كل من يطمع غني كل من يقنع