للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة]

القاعدة الأولى من قواعد ترشيد هذه الصحوة هي: وجوب العودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والعودة إلى القرآن وإلى السنة ابتداءً ليست نافلة، ولا تطوعاً، ولا اختياراً، لا، بل إنه الإيمان أو لا إيمان، إنه شرط الإسلام وركن الإيمان: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

العودة إلى القرآن الكريم بائتمار أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، وأن نحول هذا القرآن في حياة الأمة إلى تشريع، وإلى واقع، وإلى منهج حياة، وإلى مجتمع متحرك به، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠] إلى كتاب الله جل وعلا وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما ذلت الأمة إلا يوم أن ضيعت كتاب ربها، وسنة الحبيب نبيها صلى الله عليه وسلم، وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، وبين يديها مصدر عزها، وأصل شرفها وكرامتها، وبقائها ووجودها.

فالعودة إلى القرآن بالوقوف عند أوامره، بأن نمتثل أوامره أمراً أمراً ونهياً نهياً، وحداً حداً، بل وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، وأن نرجع إلى سنة الحبيب الصحيحة صلى الله عليه وسلم.

وها نحن نسمع شنشنة قديمة حديثة، ونرى من ينادي بين أبناء الأمة بوجوب العودة إلى القرآن دون السنة، ويقولون بأن السنة فيها الصحيح وفيها الضعيف وفيها الموضوع، فلابد من العودة إلى القرآن فقط وتنحية السنة، وهذه شنشنة قديمة حديثة، فقديماً جلس الصحابي الجليل عمران بن حصين يحدث الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا أبا نجيد! حدثنا بالقرآن -أي: لا تحدثنا بالسنة-.

فقال الصحابي الجليل رضوان الله عليه: أنت وأصحابك تقرءون القرآن، فحدثني عن الصلاة، وأركانها، وشروطها، وحدودها، هل هناك آية في القرآن الكريم تقول بأن الجمعة ركعتين؟! هل هناك آية في القرآن تقول بأن الظهر أربع ركعات؟! هل هناك آية في القرآن تقول بأن الصبح ركعتين؟! كلا، إن السنة هي التي بينت، وهي التي وضحت؛ لأن السنة مبينة وموضحة ومفسرة للقرآن، ومن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود، وصحح الحديث شيخنا الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه)، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:١ - ٥]، (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) أي: يقول: عليكم بالقرآن فقط دون السنة، وهذا من أعلام نبوته، وقد وقع ما أخبر به رسول الله؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ألا وإن رسول الله قد آتاه الله الكتاب والحكمة، والكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) أي: السنة.

فلابد -أيها الأحبة- من العودة إلى القرآن والسنة الصحيحة، ولكن هناك قيد وشرط؛ لأن كل من يعمل الآن على الساحة يقول: إنني أعمل بالقرآن والسنة.

وحتى تتآلف القلوب، ويتحد الصف، ويجتمع الشمل، لابد من هذا القيد ومن هذا الشرط، ألا وهو وجوب العودة إلى القرآن والسنة بفهم سلف الأمة الصالح، مَن مِن المسلمين لا يريد أن يفهم القرآن والسنة بفهم أبي بكر رضي الله عنه؟! مَن مِن المسلمين لا يريد فهم عمر؟! مَن مِن المسلمين لا يريد فهم علي؟! أو فهم عثمان؟ أو فهم معاذ؟! أو فهم أبي ذر؟! أو فهم غيرهم من الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار؟! ومن تبعهم في القرون الخيرية الثلاثة الأولى، وكما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث معاوية: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، فإن الطائفة المنصورة قائمة في كل زمان ومكان، لا يخلو منها زمان ولا مكان بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد من أن نعود إلى القرآن والسنة بفهم السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لابد من العودة إلى هذين النبعين الصافيين بهذا القيد وهذا الشرط، لماذا؟ لأن سلف الأمة هم أفهم الناس للقرآن والسنة، وهم أقعد الناس بالعلم، وهم أقرب الناس للحق، ورضي الله عن ابن مسعود إذ يقول: من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

هذا هو الطريق يا أبناء الصحوة! هذا هو السبيل أيها المسلمون! هذا هو السبيل لرضوان الله جل وعلا ولمرضاته، ولجنات النعيم في الآخرة.

والله لقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصراط وهذا السبيل تحديداً جلياً واضحاً، كما في الحديث الذي رواه الدارمي في السنن، وأحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، إلا أن الحديث ما ارتقى لدرجة الصحة فهو حديث حسن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً، وقال: هذا سبيل الله، وخط عن يمينه وعن شماله خطوطاً متعرجة، ثم قال الحبيب: وهذه سبل، وعلى رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا النبي قول الله جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣]).

بل وحدد النبي أهل هذا السبيل وأهل هذا الصراط، كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام الترمذي في السنن، وأحمد في المسند، واللالكائي في السنة، والطبراني في معجمه الكبير وغيرهم، من حديث معاوية وأبي هريرة وأنس وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وفي رواية: (على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار).