[كسر الجهاد الأفغاني لحاجز الخوف والرهبة من القوى العظمى]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصابرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين والغر الميامين، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله! إن من الحقائق الضخمة التي أبرزها الجهاد الأفغاني: كسر حاجز الخوف والرهبة مما يسمى بالقوى العظمى، فقد كسر حاجز الخوف والرهبة من هاتين الدولتين المسميتين بالقوى العظمى، كسر الجهاد الأفغاني أنف الدب الروسي ووضعه في التراب، ووضع عليه أقدم النعال، لماذا؟ ليتعلم الناس -ويا ليت المسلمين يتعلمون- أن القوي العظيم هو الله جل جلاله.
والله إن هذه القوى من أحقر وأضعف وأهون الخلق على الله، والله جل وعلا وحده هو القوي العزيز، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد:١١] أين قوة هؤلاء إلى قوة الله؟! عباد الله! أنسيتم زلزال أرمينيا في أرض الروس؟ في سبع ثوان معدودات جعل الله عاليها سافلها، ودمرها على أهلها، بزلزال! {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر:٣١].
إن كل هذه القوى العظمى، وكل هذه الدول العظمى التي تعلقت بها قلوب المسلمين، وتوسدت إليها، ووثقت بها، ولجأت إليها وتوكلت عليها أكثر من توكلها على الله لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
(يا أيها الناس) نداء عام لكل الناس في كل زمان وكل مكان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الحج:٧٣] من أفراد من طواغيت من أمم من مجالس من هيئات من طرق دبلوماسية وغيرها.
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:٧٣ - ٧٤]، إن الله وحده هو القوي! ماذا فعل النمرود بن كنعان؟ ماذا فعل فرعون؟ ماذا فعل أبرهة؟ ماذا فعل أصحاب الأخدود؟ إن الله هو القوي العزيز، لا راد لحكمه، ولا معقب لأمره، ولا مانع لقضائه، ولا حائل بينه وبين نصره جل وعلا، هو الضار النافع، الخافض الرافع، المعطي المانع، المعز المذل، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا خافض لمن رفع، ولا رافع لمن خفض، ولا ضار لمن نفع، ولا نافع لمن ضر، ولا معز لمن أذل، ولا مذل لمن أعز، فمن نصره الله فهو المنصور، ومن خذله الله فهو المخذول، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد:١١] سبحانه وتعالى.
لقد كسر الجهاد الأفغاني هذا الحاجز وهذه الرهبة، في القلوب الحية، وإلا فإن أصحاب القلوب الميتة ما زالوا كُثراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا عزة إلا بالله، ولا نصر إلا من عند الله:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:٤٧] فينبغي أن يتبرأ المسلمون من كل حول طول إلا من حول الله وطوله، وأن يعودوا إلى الله، وأن يعلنوا الصلح مع الله، وأن يقولوا لله جل وعلا: اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم!