للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقوى ميزان التفاضل في الإسلام]

لا مجال في الإسلام لهذه الرايات الزائفة، ولا مجال في الإسلام لهذه العصبيات الجاهلية العفنة المنتنة، لا مجال في الإسلام لعصبية العرق، ولا لعصبية الأرض، ولا لعصبية الوطن، ولا لعصبية الجنس، ولا لعصبية اللون، ولا لعصبية اللغة، وهذا الأساس كان القرآن قد وضعه قاعدة لبناء المجتمع الإسلامي من قبل مئات السنين، قبل أن تتغنى الدول الديمقراطية بهذا المبدأ، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].

إن كل هذه الرايات لا مجال لها أن ترفرف في سماء الإسلام، كل هذه الموازين إلى زوال، وكل هذه القيم إلى فناء، إن الميزان الحقيقي الذي يخفض ويرفع، إنما هو ميزان التقوى، (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا هو الميزان، وهذا هو المقياس الذي يخفض ويرفع، عند رب الناس جل وعلا.

وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة، فقال: يا أيها الناس! إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله.

وفاجر شقي هين على الله.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: إنكم لآدم، وإن الله خلق آدم من تراب، ثم تلى النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣]).

فلا فخر بالأنساب، ولا فخر بالجاه، ولا فخر بالسلطان، وهذا الحديث رواه الإمام الترمذي بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أيضاً الإمام الترمذي من حديث عبد الله بن عمر وقال: حديث غريب.

وفي الحديث الآخر عن جابر بن عبد الله أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق، فقال: أيها الناس! أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود، إلا بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣])، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح.

لا ميزان في الإسلام إلا للتقوى، ولا لواء يرفع في دين الله إلا لواء التقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، وهذا اللواء الذي رفعه محمد صلى الله عليه وسلم ساوى بين بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وحمزة القرشي، ومعاذ الأنصاري، فلا تفاضل إلا بالتقوى، ولذلك فخر وتفاخر بهذا النسب سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فلقد رفع الإسلام سلمان فارس ولقد وضع الكفر الشريف أبا لهب.