[تأكيد الإسلام على خطورة الكلمة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:١١١] {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:٩١]، الحمد لله الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة؛ ولذا قضى إلا نعبد إلا إياه {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان:٣٠].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته وإمامته، وصلِّ اللهم وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة التي طال شوقي إليها، وزكَّى الله هذه الأنفس التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله، وشرح الله هذه الصدور التي جمعنا وإياها كتاب الله.
أحبائي يا ملء الفؤاد تحيةً تجوز إليكم كل سفحٍ وعائقِ لقد شدني شوق إليكم مكلل بالحب والتقدير والدعاء المشفقِ وأرَّقني في المُظلِمات عليكمُ تكالب أعداء سعوا بالبوائقِ أردتم رضا الرحمن قلباً وقالباً وما أرادوا إلا حقير المآزقِ فسدد الله على درب الحق خطاكمُ وجنبكم فيه خفي المزالقِ مرحباً بأحبابي! مرحباً بأصحابي أوسمة السنة والشرف! طبتم جميعاً، وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً.
واسمحوا لي أن أخص بالتحية صانعة الأجيال، ومربية الرجال، التي تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها، تهز المهد بيمينها، وتزلزل عروش الكفر بشمالها، فمرحباً مرحباً بكِ -يا صاحبة النقاب- عهد غربة الإسلام الثانية! يا درةً حُفظت في الأمس غاليةً واليوم يبغونها للهو واللعب يا قرةً قد أرادوا جَعْلها أمَداً غريبة العقل غريبة النسب هل يستوي مَن رسولُ الله قائدُه دوماً وآخرُ هاديه أبو لهب وأين مَن كانت الزهراء أسوتُها ممن تخطت خطى حمالة الحطب فلا تبالي يا صاحبة النقاب! لا تبالي يا أختاه! فلا تبالي بما يُلقون من شُبَهٍِ وعندك الشرع إن تدعيه يستجب سليه مَن أنا لمننسبي من أهلي للغرب أم أنا للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب وما مكاني في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب هما سبيلان يا أختاه فاكسبي خيراً أو اكتسبي سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يُحجَب ولم يغِب فاستمسكي بعرى الإيمان واعتزي وصابري واصبري لله واحتسبي حياكِ الله يا صاحبة النقاب! وحياكم الله يا أصحاب أوسمة السنة والشرف! يا أصحاب اللحى! أسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك ومولاه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:١٢٠].
(خطورة الكلمة) هذا هو عنوان محاضرتنا، فأعيروني القلوب والأسماع؛ فإن هذا الموضوع في هذه الأيام بالذات من الأهمية بمكان، لا سيما ونحن نشهد الآن حرب الكلمة بكل أشكالها وصورها، مقروءة ومسموعة ومرئية، بل ومرسومة.
أيها الأحبة! إن ترك الألسنة تُلقي التهم جُزافاً بدون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء، ثم يمضي آمناً مطمئناً ليصبح نجماً تلفزيونياً بارعاً تصور صوره، وتترجم كلماته! وبعدها تصبح الجماعة وتمسي وأعراضها مجرَّحة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام، وهذه حالة من القلق والشك والريبة لا تطاق.
ومن ثم أكد الإسلام على خطورة الكلمة، فبكلمة -أيها المسلم الحبيب- تدخل دين الله، وبكلمة تخرج من دين الله، وبكلمة تنال رضوان الله، وبكلمة تنال سخط الله، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم).