[مكانة الصحابة في القرآن والسنة]
المناقب التي سأذكرها الآن لم ينلها الصحابة من هيئة مغرضة كذابة كمنظمة (اليونسكو) أو هيئة الأمم، أو حلف من الأحلاف، أو مجتمع ماسوني ضال مضل، لا، بل إن الذي عدّل وزكّى الصحابة هو الله، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.
قال جل في علاه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، المخاطب ابتداء بهذه الآية هم الصحابة: (كنتم) خطاب للصحابة ابتداء: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣]، المخاطب ابتداء بالآية هم الصحابة.
وقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٢ - ١٧٤].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:٧٤] هذه شهادة من الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:٧٤] وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [التوبة:١٠٠].
تدبر -أخي الحبيب- قوله تعالى: (رضي الله عنهم) الله رضي عن المهاجرين والأنصار، أثبت العزيز الغفار ذلك في قرآنه إلى يوم القيامة: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١٠٠].
وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨].
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤].
وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٨ - ٩] والآيات في هذه كثيرة.
وتأتي السنة ليبين صاحب السنة صلى الله عليه وسلم مكانة الصحابة، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود وعمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وفي الصحيحين من حديث أنس قال: (مروا بجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فمروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال عمر: ما وجبت يا رسول الله؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أثنيتم على الأولى خيراً فوجبت لها الجنة، وأثنيتم على الثانية شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض)، وكررها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: (أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر يوماً إلى السماء فقال: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عائذ بن عمرو: (أن أبا سفيان مر على سلمان وصهيب وبلال، وهم من فقراء الصحابة، وأبو سفيان شريف من الأشراف وسيد من السادة، وفي المجلس أيضاً صديق الأمة الأكبر أبو بكر رضي الله عنه، فلما رأى فقراء الصحابة أبا سفيان يمشي قالوا كلمة شديدة، قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فغضب الصديق لهذه الكلمة، وقال للصحابة: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! وترك الصديق المجلس وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما قال الصحابة وبما قال هو، فاسمع ماذا قال رسول الله لـ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم -لعلك أغضبت سلمان وصهيباً وبلالاً، لعلك أغضبتهم فوالله إن كنت أغضبتهم فلقد أغضبت ربك عز وجل).
إلى هذا الحد، إلى هذا القدر، (لعلك أغضبتهم، فلئن كنت أغضبتهم فلقد أغضبت ربك عز وجل)، فوالله، ثم والله، ثم والله، ما كان حديثاً يفترى، ولا كلاماً يتردد، ذلكم الحديث الذي يروي به التاريخ أسماء أطهر ثلة عرفتها الأرض بعد الأنبياء والمرسلين.
وأختم بهذا الحديث -وإن كان في سنده مجهول من باب الأمانة، إلا أن متنه ثابت صحيح بالشواهد التي ذكرت- وهو من حديث عبد الله بن مغفل في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك الله أن يأخذه).
اللهم خذ كل من آذى أصحاب نبيك، وأصحاب رسولك، وآذى رسولك، وآذاك يا أرحم الراحمين، إن لم تقدر لهم الهداية في سابق علمك يا أحكم الحاكمين! أيها الأحبة! لو ظللت أتحدث لحضراتكم بالآية والحديث في فضل الصحابة، لاحتجت إلى لقاءات لا إلى لقاء، فإن الصحابة لو اجتمع أهل البلاغة على ظهر الأرض ليذكروا فضلهم من القرآن والسنة ما استطاعوا؛ لأن الذي عدلهم هو الله، ولأن الذي زكاهم هو الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.