[القسم الأول: قسم قد ضل عن طريق الله وأعلن العداء لشرعه]
يقول الإمام ابن القيم: الناس قسمان: قسمُ قد ضل الطريق عن الله جل وعلا، بعد وانصرف عن الطريق الحق، ضل الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، قسم أعلن العداء لله، وأعلن الحرب على شرع الله رجالاً ونساءً، رجال يقولون: إن في شرع الله التخلف والتأخر، وإن في النقاب الرجوع إلى الوراء: ما هذا التخلف والتأخر والتنطع؟ إن النقاب تخلف، وإن الحجاب تأخر وهكذا، وامرأة أخرى صرخت على صفحات الجرائد، وعبر شاشات التلفاز والإذاعات، تقول: أتريدون أن نرجع إلى عصر الناقة والحصان؟ أتريدون منا أن نرجع إلى الوراء؟ أتريدون منا أن نرجع إلى عهد الأعراب الذين عاشوا في الصحراء؟ إننا في القرن العشرين، إننا في عصر الصاروخ والطائرة والصعود إلى القمر، فلا رجعة ولا عودة إلى الوراء، وعرت عن صدرها وذراعيها، وكشفت عن ساقيها، وكأنها تقول بلسان الحال والمقال: يا رب! غير شرعك ودينك، فإن شرعك لم يعد يتفق مع مدنية القرن العشرين.
هؤلاء الناس ضلوا عن طريق الله، وأعلنوا العداء لله ولشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسخروا من الموحدين والمتوضئين! استهزءوا بهم في كل زمان ومكان، ووصفوهم بأنهم إرهابيون، ومتنطعون، ومتشددون، هل من تمسك بكتاب الله إرهابي؟! هل من تمسك بدين محمد صلى الله عليه وسلم متشدد ومتنطع؟ هذا الذي وضع المسك بدلاً من رائحة السيجارة والتدخين، والذي وضع المسواك في فمه بدلاً من السيجارة والعياذ بالله، هؤلاء إرهابيون، هؤلاء متنطعون، هؤلاء متشددون؟! أيها الموحدون! أيها المؤمنون! أيها المتمسكون بدين حبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم! لا تضلوا عن الطريق، ولا يغرنكم من بعد عن الطريق، مهما كثر عددهم، فإن الحق واضح، ورسول الله كان وحده يدعو إلى الله جل وعلا، فلا تغتروا بكثرة المبتدعين، وكثرة المفتونين، واعلموا أن نبيكم وحبيبكم محمد كان وحده في الميدان يدعو إلى الله وحده، فثبته الله جل وعلا، وثبت معه المخلصون من هذه الأمة، الذين دعوا إلى الله جل وعلا، فنقلهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة رسول الله من رعاة للغنم إلى قادة وسادة لجميع الأمم.
فهذا الصنف الذي أعلن العداء لله، وهذا الصنف الذي ضل عن طريق الله، وأعلن الحرب على شرع الله، وأعلن العداء للمتوضئين الذين أشرقت وجوههم بأنوار الإيمان والطاعة، الذين سجدوا لله في الليل، وهؤلاء بين الخمور وبين شاشات التلفاز، وأمام أشرطة الفيديو، والمغنيات والقينات والخينات والعياذ بالله.
فيا أيها المتوضئون! اثبتوا، واصبروا، واعلموا أن النصر حليفكم بإذن الله جل وعلا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، إن النصر للإسلام والله، وإن النصر لدين الله، لا تخافوا على الدين أبداً، فإن الذي تولى حفظ الدين هو الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، لا نحذركم ولا نخوفكم على الدين، وإنما الحذر علينا نحن المسلمين وأصحاب الدين من هذه الفرقة، ومن هذه الاختلافات؛ لأن الدين محفوظ بعناية الله وقدر الله سبحانه! وقد ذكرت لكم أن مدرساً تربى على الشيوعية والوجودية والإلحاد: دخل ذات يوم على تلامذته في الفصل، وأراد أن ينفث سموم هذه العقيدة العفنة في عقول هؤلاء الصغار، فوقف أمامهم وأشار إليهم وهم صغار العقول، وقال لهم: يا أولاد! هل ترون هذه السبورة! قالوا: نعم.
قال: إذاً السبورة موجودة.
تروني؟ قالوا: نعم.
قال: إذاً أنا موجود.
أترون الدرج الذي أنتم قاعدون عليه؟ قالوا: نعم.
قال: إذاً الدرج موجود.
أنتم ترون ربنا؟ قالوا: لا.
قال: إذاً غير موجود، لا وجود لخالق، إذاً هذا الكون كله من عرشه إلى طرفه لا خالق له.
سبحان الله! يا أعرابي! يا من عشت في الصحراء! يا من لم تدخل إلى جامعة من الجامعات! ويا من لم تدرس في كلية من الكليات! يا من لم ترتحل في جنبات الأرض بحثاً عن علم، أو جرياً وراء فكر، أو فلسفة زائفة، أو منهج خداع.
أيها الأعرابي البسيط! بالله عليك بماذا تعرفت على الله؟ وما الدليل على وجود الله؟ قال لهم: البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟! سبحان الله! هذا الرجل المشرك الملحد الوجودي الشيوعي، يقول لهم: لا وجود للخالق، سبحان الله العظيم! وإذ بالله تبارك وتعالى الذي تكفل بحفظ دينه ينطق صبياً وطفلاً صغيراً من هؤلاء الصغار، ينطقه الله ويؤتيه الحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩]، فقام تلميذٌ أراد أن يقلد أستاذه.
مشى الطاووس يوماً باختيال فقلد مشيته بنوه
فقال علام تختالون قالوا لقد بدأت ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
فقام التلميذ مقلداً لأستاذه، ووقف أمام أستاذه ونظر إلى زملائه من التلاميذ، وقال لهم: يا أولاد: أنتم ترون عقل الأستاذ؟ قالوا: لا، قال: إذن عقله غير موجود، مجنون ابن مجنون، هذا حفظ الله لدينه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، عهد أخذه الله على نفسه، فلا تخافوا على هذا الدين، ولكن الخوف علينا نحن المسلمين إذا ما ضيعناه، وإذا ما فرطنا فيه، وإذا ما ألقينا كتاب الله وشرع رسول الله وراء ظهورنا، هنا يخشى علينا من الضياع والضلال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: كلا، ولكنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل -زبد لا قيمة له ولا نفع فيه- وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فيا أيها الأحباب! صنفٌ قد ضل عن الطريق وأنتم تعلمونه جيداً، أعلن العداء لله، وأعلن الحرب على شرع الله، وأعلن العداء للدعاة، وصب الإيذاء والعذاب صباً على كل من دعا إلى هذا الدين، هذا الصنف تحركه الشياطين، والأهواء والشهوات، ألم تقرأ قول الله جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:٨٣]، تدفعهم الشياطين إلى المعاصي دفعاً، وإلى الضلال دفعاً، وإلى جهنم دفعاً، نؤزهم أزاً إلى الضلال والمعاصي والهلاك، هذا هو الصنف الأول؛ بعد عن الله فبعد الله عنه، وويل لمن بعد الله عنه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤]، هذه هي النتيجة، من أعرض عن الله أعرض الله عنه، ومن أعرض الله عنه فهو في ضلال.
نعيش في هذا الضنك والضيق، نقص في الأموال والثمرات والمياه والكهرباء والاقتصاد لا رخاء اقتصادي، ولا أمن، ولا أمان، لماذا؟ لأننا أعرضنا عن الله، وأعلنا العداء على الله، والحرب على شرع الله جل وعلا، فماذا تنتظرون؟ ماذا تكون النتيجة؟ هذا الضنك والضيق والضلال والبعد، وهذه الأزمات والمشاكل والظلمات التي نعيش فيها، هذه نتيجة حتمية لكل من أعرض عن منهج الله، هذه نتيجة حتمية لكل من شذ وأعلن الحرب على شرع الله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:١٠] ما هي النتيجة؟ {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:١١ - ١٣] ما لكم لا تعبدون الله حق العبادة، ما لكم لا توحدون الله حق التوحيد، ما لكم لا تصطلحون مع الله، ما لكم تعلنون الحرب على شرع الله، وعلى منهج الله، وعلى كتاب الله، النقاب تخلف، وشرع الله تأخر؟ لا إله إلا الله، فهذا الصنف أيها الأحباب ضل عن الطريق، وبعد عن الله فبعد الله وأعرض عنه، فهو يعيش في حسرة، لا أمن ولا أمان ولا رخاء ولا استقرار، وإن نعمة الأمن والأمان، ونعمة الاستقرار والرضا، إنما هي نعمة عظيمة، انتبه {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨]، نعمة الطمأنينة ونعمة الرضا، لا ينعم بها إلا المؤمن الذي اطمأن قلبه بذكر الله، والذي كان مع الله فكان الله معه.
وكما يقول سيدنا قتادة: من كان مع الله كان الله معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، ومعه الحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، والقوة التي لا تذل.