[أهمية تحقيق الولاء والبراء لا سيما في زماننا]
إننا في أمس الحاجة الآن إلى هذا الفرقان، فلا تكن مذبذباً وكن على سنة ولا تحد عن الطريق، ولا تطلق اللحية مرة فإذا وقفت أمام المرآة شعرت أنك تحتاج إلى حلقها بالمرة، لا تجلس في مجالس العلم مرة فإذا تعرضت لفتنة تركت مجالس العلم بالمرة.
لا تجلس أمام كتاب الله مرة، ثم تتخلى عن كتاب الله بالمرة، لا ترتدي النقاب، ثم إذا تعرضتي لمحنة تجردتي من ثوب العزة والشرف.
أخي! لا تكن مذبذباً، بل كن مستقيماً، كما قال المصطفى: (قل آمنت بالله ثم استقم) وكما قال عمر رضوان الله عليه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:٣٠] قال: ثم استقاموا على دين الله فلم يروغوا روغان الثعالب، فلا تكن كل يوم على حال، إن جلست مع المتبعين فأنت متبع، وإن جلست مع العلمانيين فأنت كذلك.
قال ثمامة: (والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله ومنع الميرة حتى أكلت قريش العلهز، -أي: وبر الإبل مع الدم يضعونه على النار ويشوونه ليأكلوه في وقت المجاعة- فأرسل أبو سفيان إلى صاحب الخلق صلى الله عليه وسلم، يقول له: إنك تصل الرحم ونحن رحمك -مع أنهم على الكفر والشرك- إنك تصل الرحم ونحن رحمك، ولقد منع ثمامة عنا الميرة فاكتب إليه، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي بين قريش وبين الميرة، التي كانت تصل إليهم من اليمامة).
أيها الإخوة! أعترف منذ البداية أنني عاجز عن أن استخراج الدروس والعظات والعبر من هذا الحديث الجليل المبارك، لكنني أود أن أقف وقفات متأنية مع هذا الحديث العظيم الغالي؛ لأبين لحضراتكم أن الرفق والحلم والخلق حوّل البغض في قلب ثمامة إلى حب فياض.
تدبر معي كلمات ثمامة: (والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إليّ).
لماذا؟ إنه الرفق إنه الحلم إنه الخلق إنه الأدب، ولقد تعمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يظل ثمامة مربوطاً في المسجد، وهذا دليل آخر على جواز دخول المشرك إلى المسجد، إن دخل في حاجة أو لغاية بشرط أن لا يدخل للإفساد أو للنجاسة أو لامتهان مقدسات المسلمين.
ظل ثمامة في المسجد ثلاثة أيام، وقد تعمد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ثمامة في داخل المسجد؛ ليسمع القرآن غضاً طرياً بأذنه من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليرى الصحابة بين يدي رسول الله كيف يعاملونه؟ وكيف يتأدبون في حضرته؟ وكيف إذا أمرهم ابتدروا أمره؟ وكيف يسمعون له؟ وكيف وكيف؟ رأى ثمامة في هذه الأيام الإسلام يتحول إلى واقع عملي وإلى منهج حياة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتعلق قلبه بهذا الدين والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
إنه الخلق، والحديث عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما تكون الأمة إليه الآن.
الكل ينادي بالعودة إلى خلق النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من منا الليلة سيتخلق بخلق النبي؟! كلنا يعلم حلمه كلنا يعرف كرمه كلنا يعرف رقته كلنا يعرف أدبه كلنا يعرف تواضعه كلنا يعرف فضله كلنا يعرف رفقه كلنا يعرف جماله كلنا يعرف حسن خلقه وخلقه لكن من منا سيشهد الليلة أو من الليلة لدين النبي شهادة عملية على أرض الواقع، ليحول شيئاً من خلق النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إلى واقع عملي ومنهج حياة؟!