[هل من مشمر للجنة؟]
أيها الشاب الحبيب: يا من ابتليت في عرضك! يا من ابتليت في رزقك! يا من ابتليت في عملك! يا من ابتليت في دينك! اصبر فورب الكعبة ما هي إلا أيام وستجد نفسك بين يدي الله جل وعلا، فإن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، وإن دنياكم دار ممر، وإن أخراكم هي دار المقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تفضحوا أستاركم عند من يعلم أسراركم.
أيها الحبيب: اصبر فإن سلعة الله هي الجنة، وما أدراكم ما الجنة؟ في الجنة: (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ورد في سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان، وفي إسناد الحديث سليمان بن موسى مختلفٌ فيه، وبقية رجال الإسناد ثقات من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم وصف الجنة يوماً لأصحابه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصرٌ مشيد، ونهرٌ مضطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجةٌ حسناء جميلة، ثم قال الحبيب: ألا من مشمرٍ للجنة؟ فقال الصحابة: نحن المشمرون لها يا رسول الله! فقال لهم: قولوا: إن شاء الله عز وجل) أسأل الله أن يمتعني وإياكم بالنظر إلى وجهه الكريم.
أيها الحبيب الكريم
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وكم من مدائن في الآفاق قد بنيت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
أين الملوك التي كانت مسلطنةً حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
إن المكارم أخلاقٌ مطهرةٌ الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل باقيها
لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
واعمل لدار غدٍ رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها
أنهارها لبنٌ مصفى ومن عسلٍ والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة تسبح الله جهراً في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها
أيها الحبيب الكريم: اعلم بأن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها، ولا في خمرها، ولا في حورها، ولا في قصورها، ولا في ذهبها، ولكن نعيم الجنة الحقيقي في التمتع بالنظر إلى وجه ربها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تعالى: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير بين يديك، فيقول ربنا جل وعلا: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى -وفي لفظ مسلم: ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ ألم تبيض وجوهنا- فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقول أهل الجنة: وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟! فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً -وفي لفظ مسلم: فيكشف الله الحجاب بينه وبينهم فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل وعلا، ثم تلا النبي قول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]) والحسنى: هي دخول الجنة، والزيادة: هي التمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا في الجنة.
أيها الحبيب: هل ستموت؟ إنك تعلم يقيناً بأنك ميت، وتعلم أن الموت نهاية كل حيٍ وإن تعددت الأسباب، فلم الجبن والكسل والخوف والتواني عن دعوة الحق؟
تعددت الأسباب والموت واحدُ
لماذا يتحرك كل أهل الباطل غضباً لباطلهم، ولا يتحرك أهل الحق لحقهم؟ ماذا تنتظر؟ ومن تنتظر؟ هل تنتظر الأوباش الأنجاس يتحركون لدعوة الله جل وعلا؟!!