[خطورة الاستخفاف بأوامر الله]
أيها الأحبة! وهنا أنقل لكم وهذه صورة من أبشع صور الغفلة، تأمر فتقول: قال الله، أو تنهى فتقول: نهى الله عن كذا، ونهى رسول الله عن كذا، فلا مجيب.
أرى رجلاً يلبس خاتماً من الذهب فأقول له: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس خاتم الذهب للرجال! فيرد علي ويقول: نعم أنا أعلم ذلك! أي استخفاف هذا؟! تقول له: الله عز وجل حرم كذا، فيقول: نعم أعلم ذلك، الله عز وجل نهى عن كذا، فيقول: أعلم.
يعلم ولا يطبق ولو قال: سل الله عز وجل لي أن يهديني، وأن يردني إلى الحق لدعونا الله عز وجل له، ولكان ذلك أدعى للقبول، أما أن تقول: أنا أعلم! بكبر وبصوت مرتفع وكأن الأمر لا يعنيك! وأنا أتحداك أن تقول لرئيسك في العمل إن نهاك عن شيء: لا، وإن أمرك بشيء أتحداك أن تقول له: لا.
بل ووالله ربما يأمرك بشيء مخالف وتمتثل أحياناً، فالله يأمر وينهى والرسول يأمر وينهى، ولكن أين السمع والطاعة؟! يا من زعمت أنك ممن أحسنوا الظن بالله، أين العمل أين السمع أين الامتثال للأمر أين الاجتناب للنهي أين الوقوف عند الحدود؟ لماذا هذا الاستخفاف بأوامر الله تعالى؟ بل تجد الرجل يرمي الشريعة الربانية المحكمة بالجمود والقصور والتخلف والرجعية، والله عز وجل يخاطب نبيه المصطفى ويقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:١٨].
إن امتثلت أمر الله في شرعه فأنت المؤمن الذي سمع وأطاع، وإن سمعت وأعرضت فهذا هو دأب المنافقين -أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من النفاق- قال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦٠ - ٦١].
إن الذي يعرض ويصد عن سبيل الله هو المنافق بنص القرآن وإن أظهر للناس بلسانه وبيانه غير ذلك، فالله عز وجل هو الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
وأود أن أنبه: أن من يختزل الدين والشريعة كلها في الحدود إنسان لا يحترم عقله ولا يحترم شخصه، وأرجو من كل منصف أن لا يختزل دين الله في الحدود؛ لأننا إذا ما ذكرنا بالشريعة رد علينا: تريدون أن تقطعوا الأيدي؟! تريدون أن ترجموا الناس؟! تريدون كذا وكذا؟! أقول: إن اختزال الشريعة أو الدين في الحدود أمر لا يقول به منصف يحترم علقه ونفسه، فما الحدود إلا باب من أبواب المعاملات، وما المعاملات إلا باب من أبواب الشريعة، بل إن إقامة الحدود في دين الله وفي شريعة الله لها ضوابط وشروط، وليس الأمر هكذا على إطلاقه وعواهنه، وهذا أمر مؤصل في كتب الفقه لأئمتنا وعلمائنا.
إن الاستخفاف بأوامر الله عز وجل ينافي الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:١ - ٢].
قال الإمام ابن القيم: إذا كان مجرد رفع الصوت على النبي صلى الله عليه وسلم يحبط العمل، فكيف بمن قدم العقل على قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنا أقول: كيف لو عاش ابن القيم في زماننا ورأى من لا يقدم قوله وعقله وفكره على قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل يتهم شريعة النبي صلى الله عليه وسلم بالجمود والقصور والرجعية، وعدم قدرتها على مسايرة هذه المدنية؟! ماذا يقول؟! إن رفع الصوت فقط على النبي صلى الله عليه وسلم يحبط العمل، فكيف وقد اتهمت شريعته الربانية المحكمة؟! إن الاستخفاف بأوامر الله من أبشع صور الغفلة في هذه الأيام وفي هذا الزمان، وهذه الغفلة التي تتمثل في هذا الاستخفاف تتنافى ابتداءً مع أصل الإيمان: مع الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦]، وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٥١] هذا شعار أهل الإيمان، أن يقولوا: (سمعنا وأطعنا)، أما شعار المستخفين بأوامر الرحيم الرحمن: (سمعنا وعصينا أعلم أن هذا حلال وأعلم أن هذا حرام)، لكنه لا يفعل ولا ينتهي فالاستخفاف من أبشع صور الغفلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.