ومن الجفاء أن أتحدث عن التوكل وعن المتوكلين ولا أتحدث عن سيد المتوكلين في الأمة كلها بعد نبيها، إنه الصديق أبو بكر رضي الله عنه، رحم الله ابن القيم إذ يقول: هذا هو أبو بكر الصديق الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له الصديق حب الحب على روض الرضا، واستلقى الصديق على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة مضاعفة وتركه هناك، ثم علا على أفنان شجرة الصدق ليغرد للصديق بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حقه قول ربه:{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}[الليل:١٧].
الصديق الذي حقق التوكل في أعلى مقاماته، روى الترمذي بسند صحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة يوماً، فوافق ذلك مالاً كان عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.
يقول عمر: فأتيت للنبي صلى الله عليه وسلم بنصف مالي، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك يا عمر؟! قال: أبقيت لهم مثله يا رسول الله! قال: فجاء أبو بكر بكل ماله، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟! فقال: أبقيت لهم الله ورسوله).