{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}[مريم:٢١] قدرة كاملة، {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً}[مريم:٢١] في علم الله جل وعلا: (فحملت) هكذا بفاء الترتيب والتعقيب.
وبداية -أيها الأحبة- أود أن أقول: إننا لو تتبعنا كتب النصارى التي تكلمت عن الحمل لانخلعت القلوب، وارتعدت الأفئدة، فإننا نجد كلاماً يستحي من ذكره في حق الله جل وعلا، فلقد وصفوا الله في هذه الجزئية بأوصاف شنيعة، وبكلمات تنخلع لها القلوب، وأنا لن أتكلم عن هذه الكلمات أبداً؛ لأنه لا يمكن على الإطلاق أن تدنس بيوت الله عز وجل، أو حتى الأفواه بمثل هذه الكلمات التافهة الفارغة التي وصفوا الله عز وجل بها، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وقد صفوا الله عز وجل بها في كيفية حمل مريم عليها السلام.
ولذلك لما سئل أحد قساوستهم الذي شاء الله أن يفضحه بعد ذلك على رءوس الخلائق والأشهاد، لما قيل له: إذا أردت أن تقص على ابنتك قصة مريم، وقصة حملها، وقصة ولادة عيسى، فمن أي الكتب تستطيع أن تقرأها عليها؟ فقال بجرأة متبجحاً: أقرؤها على ابنتي من القرآن.
لأن القرآن -أيها المسلمون- والإسلام قد كرم وشرف مريم أكثر من تشريف النصارى لها.
وقد جلست يوماً إلى أحد كبرائهم، بل إلى كبيرهم، وقد قدر الله هذا اللقاء، وطال المجلس والوقت، وظل يتحدث عن مريم وعيسى وعن توحيدهم المزيف، ويقول لي: إننا لا نختلف معكم في توحيدكم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنكم تقولون بأن الله عز وجل: هو الله، وهو الرحمن، وهو الكريم، أسماء متعددة، وكذلك نحن نقول: باسم الأب والابن وروح القدس، هذه مثل تلك، قلت: حاشا لله، تعالى الله عما قلت علواً كبيراً، وطال الحديث أيها الأحباب، وكان حديثاً في حلقة مفرغة؛ وأردت أن أنهي هذا اللقاء في حضور كثير من المسئولين، فقمت ونظرت إلى هذا الكبير وقلت له: أما قرأت هذا الخبر؟ قال: وأي خبر؟ قلت له: خبر عجيب ومرعب ومزلزل، فانتبه وجلس على الكرسي جلسة ما، ونظر إليَّ وأخذ يدقق النظر، ثم صرخ قائلاً: ما هو الخبر؟ فقلت: خبر زواج البابا.
فجلس على الكرسي براحة تنهد وتنفس الصعداء، ونظر إلى المسئول الكبير وقال له: ألم أقل لك بأن هذا الشاب كذاب؟ قلت: ولم هذا الاتهام؟ قال: من أين لك هذا الخبر؟ عليك أن تأتي بالجريدة التي قرأت فيها هذا الخبر، عليك أن تأتي بالدليل، قلت: وإن لم آتِ بالدليل فلماذا لا تصدقني؟ قال: لأن البابا لا يتزوج، هذا قانوننا وهذا ديننا وشرعنا، البابا أسمى من أن يتزوج.
فقلت: سبحان الله! إن كان البابا عندكم أسمى من أن يتزوج، فكيف تزوجون الله بمريم؟ أما تستحون؟ لمَ هذه البجاحة؟ البابا عندكم وفي قانونكم ودينكم المزيف لا يتزوج، أنتم وشأنكم، فإن كان هذا حال عبد حقير ذليل ضعيف تقولون: بأنه أسمى من ذلك، أسمى من أن يحتضن امرأة، أو أن يتزوج امرأة، أو أن يكون مرتبطاً بامرأة في الحلال، وما استحييتم أن تقولوا في قصة حمل مريم كلاماً تنخلع له القلوب وتقشعر له الأبدان، وتزوجوا الله -تعالى الله عن ذلك- بمريم؟! فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.