[التحذير من الركون إلى الدنيا]
جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله قد استخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).
أذكر نفسي وإياك أيها الحبيب الكريم! بعدم الركون إلى الدنيا والاطمئنان إليها؛ لأن الله عز وجل قد حذر من ذلك.
أيها الغافلون! أيها اللاهون! بل أيها الطائعون المؤمنون! قال لنا ربنا جل وعلا: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:٢٠].
وأود من باب التفصيل العلمي لهذه المسألة أن نعلم أن الذم الوارد في القرآن والسنة في حق الدنيا لا يرجع إلى زمانها ومكانها وما أودعها الله من خيرات ونعم.
إن الذم الوارد في الكتاب والسنة في حق الدنيا لا يرجع إلى زمان الدنيا الذي هو الليل والنهار فلقد جعل الله الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
ولا يرجع الذم إلى مكان الدنيا الذي هو الأرض فلقد جعل الله الأرض مهداً لبني آدم ليتاجروا على ظهرها وليغرسوا فيها الأعمال التي تقربهم إلى الجنة.
والذم الوارد في الدنيا لا يرجع إلى ما أودع الله في الدنيا من خيرات ونعم، فهذه نعم الله على خلقه وعلى عباده، والله عز وجل يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:٣٢].
إذاً: فلنعلم أن الذم الوارد في حق الدنيا في القرآن والسنة إنما هو متعلق بكل ما يرتكب فيها ولا يرضي الرب جل وعلا.
الذم للمعاصي للكفر الذي يرتكب في هذه الحياة، قال علي بن أبي طالب: (الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن فهم تزود منها، فهي مهبط وحي الله، ومصلى أنبياء الله، ومتجر أولياء الله، ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة).
انظر إلى الفهم الدقيق لحقيقة هذه الحياة؛ لأننا لا نريد أن يفهم مسلم هذا الكلام فهماً خاطئاً فيهدر هذه الحياة ويهدر الوظائف والأعمال، كلا.
وإنما أقول لك: إن استطعت أن تجمع ملايين الجنيهات فافعل بشرطين: أن تجمع من الحلال، وألا تنسى حق الكبير المتعال.
عمّر الكون عمر الدنيا، لكن إياك أن تركن إلى الدنيا وأن تطمئن إليها وأن تنشغل بها عن الآخرة.
يقول لي رجل من رجال الأعمال ذكرته بالله عز وجل، يقول لي: إن الدنيا قد شغلتنا وأخذتنا تماماً، ثم قال لي: والله يا شيخ! أنا لا أرى أولادي -مع أنني لست على سفر- إلا بعد فترات طويلة؛ لأنني أرجع إلى البيت وهم نائمون ويخرج الأولاد إلى المدارس وأنا نائم، فأنا لا أرى أولادي، قلت له: وكيف حالك مع الصلاة؟ قال: والله أشغل فيمر علي الأسبوع لا أصلي صلاة واحدة لله جل وعلا، ثم ذكرته بالله فقال: دعنا نجري في هذه الحياة الدنيا؛ لأننا بعد الموت سننام طويلاً، قلت له: لا والله، بل أنت الآن في نوم طويل، وأنت الآن في سبات عميق، وإنما إن استيقظت الآن للعمل للآخرة فستستريح هنالك بين يدي الله جل وعلا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:٧ - ٨].
أيها الحبيب الكريم! أذكر نفسي وإياك بحقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، فالدنيا -كما نقول دوماً- وإن طالت فهي قصيرة، وإن عظمت فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال فلابد بعده من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد بعده من دخول القبر.