[معنى التشيع في اللغة والاصطلاح]
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.
وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الذي جمعنا مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونحن الليلة بإذن الله جل وعلا على موعد مع الدرس السادس عشر من دروس: سلسلة الإيمان باليوم الآخر كركن خامس من أركان الإيمان بالله جل وعلا، ضمن دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة، ولا زال حديثنا ممتداً عن الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهورها قبل قيام الساعة، وأنهيت الحديث بفضل الله جل وعلا وتوفيقه في المحاضرة الماضية عن الفتنة الكبرى التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذكرت بأنه قد خرج من فريق علي رضي الله عنه فريق آخر وفتنة أخرى، وهي فتنة خطيرة لا تقل خطراً عن فتنة الخوارج، بل إنها الآن أشد خطراً من فتنة الخوارج، ألا وهي فتنة ظهور الشيعة، وأرجو أن تركزوا معي جيداً في هذه المحاضرات التي أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها، والتي أستهلها من الليلة بإذن الله تعالى في الحديث عن الفرقة الأخرى التي خرجت بعد فتنة الخوارج أو بعد قضية التحكيم.
وسأقف مع حضراتكم مع هذه الفرقة الضالة منذ نشأة بدايتها.
الشيعة في اللغة: بمعنى: الأتباع والأنصار، جاء في القاموس: شيعة الرجل بكسر الشين أي: أتباعه وأنصاره، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو له شيعة، أي: فهو له عون ونصير، هذا هو المعنى اللغوي للفظة (شيعة).
قال الأزهري: معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين، وهذا معنى إضافي جديد، ليس بالضرورة أن يكون كل هؤلاء متفقين، فالتشيع بمعناه اللغوي: المناصرة والمعاونة والمتابعة، أو الاجتماع على أمر، أو التحزب لشخص ما.
لكن من هم الشيعة في الاصطلاح؟ سأنقل ذلك عن شيخ الشيعة وعالمها في زمنه، وأرجو أن تركزوا معي فمثل هذه المسميات والأسماء سأحتاج إليها بعد ذلك بإذن الله تعالى، - المفيد عالم من علماء الشيعة الأكابر عندهم، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بـ المفيد من كبار مشايخ الشيعة، يقول المفيد: لفظ الشيعة يطلق على أتباع أمير المؤمنين علي على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
أي: وليس بعد أبي بكر وعمر وعثمان، ركزوا في كل لفظة.
يقول: بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة.
أي: عن أبي بكر وعمر وعثمان.
ويوضح المفيد أيضاً هذا التعريف بشيء من التفصيل في كتابه الموسوم بالإرشاد (ص:١٢)، ولن أنقل كلاماً عن الشيعة إلا من كتبهم المعتمدة؛ حتى لا نتهم بأننا نشوش على هؤلاء، أو ننسب إليهم كلاماً من عند أنفسنا، أو من عند علماء أهل السنة والجماعة، لا، بل سأنقل لكم معتقد القوم الفاسد الباطل من كتبهم المشهورة المعتمدة، وسوف أذكر إن شاء الله تعالى كل كتاب مع رقم الصفحة للضرورة، وليس من باب الاستعراض، لا والله، وإنما من باب دمغ القوم بالحجة؛ حتى لا نتهم بأننا نلقي التهم جزافاً، ونستشهد بمثل هذه الأقوال من كلام علمائنا من أئمة أهل السنة والجماعة.
يقول المفيد في كتابه الموسوم بالإرشاد (ص:١٢): (وكانت إمامة أمير المؤمنين علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة.
يعني: إمامة علي بعد موت النبي مباشرة، يقول: منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر كان ممنوعاً من التصرف في أحكامها، مستعملاً للتقيّة والمداراة -وهذا أصل من أصول الشيعة سأشرحه بالتفصيل إن شاء الله تعالى- ومنها: خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين).
واضح من النص أن الشيعة يثبتون إمامة علي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فيقصد بالأربع وعشرين سنة وستة أشهر التي ظل فيها علي رضوان الله عليه ممتنعاً من التصرف في أحكام الإمامة: المدة التي تولى الإمامة والخلافة فيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم ذكر فترة خلافة علي وقال: (ومنها: خمس سنين وستة أشهر كان علي رضوان الله عليه في هذه المدة ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين).
والمراد بالناكثين: هم الذين بايعوا علياً ونكثوا بيعته في البصرة.
ويقصد بالقاسطين: فريق معاوية رضوان الله عليه؛ لأن الفريق القاسط أي: الباغي أو الظالم.
ويقصد بالمارقين: هم الخوارج الذين خرجوا على علي في النهروان.
ثم قال: (ومضطهداً بفتن الضالين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها -أي: من أحكام النبوة- خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمكن من جهاد الكافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين.
ثم هاجر -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين ممتحناً بالمنافقين، إلى أن قبضه الله عز وجل، وأسكنه جنات النعيم.
هذا كلام شيخ كبير من مشايخ الشيعة ألا وهو المفيد كما ذكرت آنفاً.
ويقدم الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع: الملل والنحل تعريفاً يعد من أشمل التعريفات للشيعة، فيقول: (الشيعة: هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على وجه الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية).
نصاً أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافته وإمامته من بعده، ووصية أي: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قبل موته، تدبروا في كل لفظة.
يقول الإمام الشهرستاني: (الشيعة: هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على وجه الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً وإما خفية، فمنهم من يظهر هذا، ومنهم من يخفي هذا، اعتقاداً منهم لأصل من أصولهم ألا وهو التقية -بفتح التاء وتشديد القاف، ولا حرج أن تضم على وجه من أوجه اللغة- واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاد علي، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة -أي: لا ينبغي أن تترك هذه القضية الكبيرة لعوام المسلمين ليختاروا فيها من يشاءون أو من يرغبون -وينتصب الإمام بنصبهم -أي: بنصب العامة له- بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين الذي لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة وإرساله، ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك).
هذا تعريف الإمام الشهرستاني للشيعة اصطلاحاً.
وسنرى أيضاً أن الشيعة الإثني عشرية يقولون بعقائد أخرى: كالغيبة، والرجعة، والبداء، وكل هذه الألفاظ سأفصلها بإذن الله تعالى، لكننا نرى إماماً من أئمة أهل السنة كـ أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى يعرف الشيعة تعريفاً مقتضباً فيقول: (الشيعة إنما قيل لهم: الشيعة؛ لأنهم شايعوا علياً رضي الله عنه، ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
أي: ناصروا علياً رضي الله عنه وقدموه على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الفرقة التي يتكلم عنها الإمام الأشعري لها مسمى آخر، تسمى هذه الفرقة من فرق الشيعة باسم: المفضلة، وهم الذين فضلوا علياً على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعريف يصح وينطبق تماماً على أول فرق التشيع ممن ناصروا علياً رضي الله عنه، لكن سنرى الآن بإذن الله تعالى أن هذا التعريف قد تطور بأطوار ومراحل مختلفة سنقف عليها الليلة إن شاء الله تعالى.
وهذا تعريف آخر للمفضلة: هم الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر، وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم جميعاً.
والشيعة الإثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي رضوان الله عليه على سائر أصحاب النبي كافياً في التشيع، يعني: لو أن رجلاً قدم علياً على سائر الأصحاب فلا يكفي هذا عندهم في التشيع، وإنما لابد من الاعتقاد بأن خلافة علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة بالنص والاعتقاد، وأن خلافته قد بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى استشهاده رضي الله عنه.