للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إفساد اليهود المذكور في القرآن]

وها هم اليهود يأتون ألفافاً من كل بقاع الأرض؛ ليتحقق وعد الله في آية الإسراء الأولى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٤ - ٧].

تدبروا معي الآيات! لنقف مع هذه البشارة العظيمة، فالحق وإن انزوى كأنه مغلوب فإنه ظاهر، والباطل وإن انتفش كأنه غالب فإنه زاهق: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:٨١]: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨].

تدبر معي قول رب العالمين: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:٤]، إذا جاء وقت المرة الأولى لتدمير ما شيد اليهود: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:٥]،أي: بعث الله على اليهود عباداً له ليسوموا اليهود سوء العذاب.

اختلف المفسرون في كتب التفسير، فقد قرأت ما يزيد على عشرين تفسيراً في هذه الآيات، فوجدت أن جُل المفسرين قد فسروا هذه الآيات بأن الذي سُلط على اليهود هم البابليون أو الرومان أو بختنصر، أو نبوخذ نصر، فتدبرت الآيات مراراً وتكراراً ووقفت مع بعض أهل العلم من المحققين الذين قالوا: بأن الله تبارك وتعالى يقول: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا)، فالعبودية إذا نُسبت لله لا تكون أبداً إلا للموحدين.

قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان:٦٣]، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:٤٢]، وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١]، وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:١٩]، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:٢٣].

إذاً: العبودية إن نُسبت لله تعالى وكانت خالصة له فهي من المؤمنين الصادقين، والبابليون وثنيون، والرومانيون وثنيون، وبختنصر وثني ليس بمسلم، فكيف يقال بأن هؤلاء تنطبق عليهم الآية؟! كلا كلا إذاً: من هم عباد الله الذين سلطهم الله على اليهود أول مرة؟ إنهم أصحاب المصطفى، نعم، إنهم أصحاب المصطفى، فهم الذين طردوا اليهود من بني النضير من بني قينقاع من خيبر من بني قريظة وأخرجوهم من المدينة.

ثم الصحابة هم الذين دخلوا المسجد أول مرة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، يوم نزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من المدينة ليتسلم مفاتيح بيت المقدس بيده، وليكتب لليهود ولأهل بيت المقدس العهدة العمرية المعروفة، ليكتب لأهل بيت المقدس من أهل إيليا العهدة العمرية المشهورة، وقد تحدثت عنها بالتفصيل قبل ذلك.

إذاً: أصحاب النبي هم عباد الله الذين دخلوا المسجد أول مرة، ولذلك تدبر معي قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:٥ - ٦] أي: على هؤلاء العباد الذين انتصروا عليكم.

وها نحن نرى الكرة قد أعيدت لليهود علينا، أي: على أبناء أصحاب النبي من الموحدين والمؤمنين: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ} [الإسراء:٦] أي: أمد الله اليهود بأموال، (وَبَنِينَ) وها نحن نرى أبناء اليهود من كل بقاع الأرض يجتمعون: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}، والنفير هو نفير الحرب، وهأنتم ترون اليهود يمتلكون إلى الآن مائتي قنبلة نووية، وتمد اليهود أمريكا بالسلاح {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}.

ثم قال لهم ربهم سبحانه: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} أي: المرة الثانية والأخيرة {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} أي: ليسوء وجوهكم عباد الله من الموحدين والمؤمنين، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، اللهم عجل بهذه المرة يا أرحم الراحمين! {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.

وها هو نبينا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى -كما في مسند أحمد وغيره بسند صحيح- (أنه وضع يوماً يده على رأس أبي الحوالة الأزدي رضي الله عنه، ثم قال النبي لـ أبي حوالة: يا أبا حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا، والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك).

وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون).

والله لا عزة للأمة ولا كرامة للأمة بعد ما فعل اليهود ما فعلوا، إلا أن ترفع الأمة راية الجهاد في سبيل الله، فليرفعها زعيم واحد من زعماء العرب، وسينضوي تحت راية الجهاد في سبيل الله بقيادته ملايين الشباب من على وجه الأرض، ممن تحترق قلوبهم وتتشوق للشهادة في سبيل الله.

يا إخوة! كونوا على يقين جازم بأن الأمة لا ينقصها شيء من عدد وعدة وعتاد وقوة، ولكن الأمة مهزومة من نفسيتها ومن داخلها، تحتاج إلى أن يرفع قائد واحد راية الجهاد في سبيل الله، ووالله حينئذٍ ليتمن الله وعده.

الله جل وعلا ما أمر الأمة إلا أن تعد قدر استطاعتها: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠]، إذا كان هذا الإعداد هو أقصى ما تملكه الأمة فما عليها بعد ذلك إلا أن تضحي بعشرات الآلاف من شبابها، ممن يتشوقون الآن للشهادة في سبيل الله، وأن ترفع راية الجهاد، فلا عز لها ولا كرامة إلا بالجهاد، وهذا هو كلام ربنا، وكلام الصادق نبينا، قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد وسنن أبي داود -والحديث صححه الشيخ الألباني - من حديث ابن عمر، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).