حكم مشروعية الصيام كثيرة ولله الحمد والمنة، فما من عبادة شرعها الله لعباده إلا لحكمة بالغة، عَلِمَها من علمها، وجَهِلَها من جهلها، وليس جهلُنا للحكمة في عبادة من العبادات دليلاً على أنه لا وجود لها، بل هو دليلٌ على عجزنا نحن عن إدراك حكمة الله سبحانه وتعالى القائل:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:٨٥].
ومِنْ ثَمَّ فإن من أعظم حكم الصيام على الإطلاق كما أخبر مُشرِّع الصيام جل وعلا: أنه سبب لتقوى الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:١٨٣] فالصيام سبب لحصول التقوى، وهذه حكمة بالغة من حكمه العظيمة؛ ليتقي الصائم ربه جل وعلا.
والتقوى: هي وصية الله للأولين والآخرين من الخلق، وهي كما عرفها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
وهي كما عرفها طلق بن حبيب بقوله: هي أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.
ورحم الله من ترجم هذه المعاني الجليلة فقال: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى فالتقوى من أعظم ما يترتب على الصيام: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
والصيام يهيئ النفوس ويربيها على تقوى الله سبحانه وتعالى؛ لأن أمر الصيام موكول ابتداءً وانتهاءً إلى نفس الصائم وضميره، إذ لا رقيب على الصائم إلا الله، ومن هنا يربي الصوم ملكة المراقبة في قلب الصائم لله جل وعلا، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
ومن حكم الصيام البالغة أن الصوم يربي النفس، ويكسر شهواتها، ويحد من كبريائها، فتخضع للحق وتلين للخلق.
ومن حكم الصيام أيضاً: تذكير الأغنياء الذين يرفلون في نعم الله جل وعلا أن لهم إخواناً لا يتضورون جوعاً في نهار رمضان فحسب، بل إنهم يتضورون جوعاً في كل يوم على مدار العام، بل ومنهم من يموت من شدة الجوع والعطش! ومن ثم يتحرك أصحاب القلوب الحية، والنفوس الأبية، للبذل والإنفاق والعطاء.
أما فوائد الصيام الصحية فحدث عنها ولا حرج، ولعله لا يجهلها مسلم ولا مسلمة ولله الحمد والمنة، فما أعظم حكمة الله وأبلغها! وصدق الله جل وعلا إذ يقول:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤].