للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عيسى عليه السلام وتوحيده لله]

الحمد لله المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير.

حمداً لك يا من اعترف بفضلك وكرمك ونعمك كل حاضرٍ وباد.

حمداً لك يا من اغترف من بحر جودك وكرمك وإحسانك كل رائحٍ وغاد.

حمداً لك يا من نطقت بوحدانيتك جميع الكائنات، فالسماء دائماً وأبداً تقول: سبحان من رفعني بقدرته، وأمسكني بقوته، فهو ركني وعمادي، والأرض دائماً وأبداً تقول: سبحان من وسع كل شيء علماً ومهد مهادي، والبحار دائماً تقول: سبحان من بمشيئته وقدرته وإرادته أجراني، وأسال عيون مائي لقصادي وورادي، والعارف به يقول: سبحان من دلني عليه، وجعل إليه مرجعي ومعادي، والمذنب يقول: سبحان من اطلع علي في المعصية ورآني، فلما رآني سترني وغطاني، ولما تبت إليه تاب علي وهداني.

أحمدك يا ربي وأستعينك وأستغفرك وأستهديك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جل ثناؤك، وعظم جاهك، ولا إله غيرك.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، إنما قوله لشيءٍ إذا أراده أن يقول له: كن فيكون.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا وأستاذنا محمداً رسول الله، اللهم صلَّ وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، صلاةً وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء! ويا سيد المرسلين! وأشهد لك يا سيدي ويشهد معي الموحدون أنك قد أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت ربك يا سيدي حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيل ربك حتى أجبت مناديه، وعشت طوال أيامك ولياليك تمشي على شوك الأسا، وتخطو على جمر الكيد والعنت، تلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علمت الجاهل، وقومت المعوج، وأمنت الخائف، وطمأنت القلق، ونشرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، وجزاك الله عنا خير ما جزى الله نبياً عن أمته، ورسولاً عن قومه.

أما بعد: فيا أيها الأحباب: تعالوا بنا لنطوف سوياً في روضة القرآن الكريم ومع اللقاء الثاني عشر على التوالي، ما زلنا نطوف مع حضراتكم في بستان سورة مريم، وبفضلٍ من الله وبحوله ومدده وطوله وقوته أنهينا الحديث في اللقاء الماضي عن قصة عيسى وعن قصة مريم عليهما السلام، وكانت هذه النهاية عن رفع عيسى وعن نزوله بين يدي الساعة كعلامة من علامات الساعة الكبرى، وقلنا بأن اليهود والنصارى قالوا: بأن عيسى قُتل وصلب، ولكننا رددنا عليهم بما رد عليهم به ربنا جل وعلى فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧].

ونحن اليوم أيها الأحباب على موعدٍ مع قول الله جل وعلا بعد أن أقر عيسى لله بالوحدانية وأقر لنفسه بالنبوة والرسالة، فقال على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) [مريم:٣٠ - ٣٣] قال الله بعدها: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم:٣٤ - ٣٥] وقال عيسى: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:٣٦] ثم قال الله جل وعلا: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٣٧ - ٤٠] نحن اليوم على موعدٍ مع هذه الآيات المباركات من كتاب رب الأرض والسماوات، فانتبهوا معي جيداً أيها الموحدون.