[المقام المحمود وفضله صلى الله عليه وسلم]
أقول: لم يشفع في البشرية كلها لفصل القضاء إلا المصطفى، ولم يرد الملك جل جلاله إلا على محمد بن عبد الله.
أيها الموحدون: والله لا يعرف قدر رسول الله إلا الله, إن قدر رسول الله عند الله لعظيم, وإن كرامة النبي عند الله لكبيرة, فهو المصطفى والمجتبى، فلقد اصطفى الله من البشر الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، واصطفى من أولي العزم الخمسة الخليلين إبراهيم ومحمداً، واصطفى محمداً ففضله على جميع خلقه, شرح له صدره، ورفع له ذكره, ووضع عنه وزره, وزكاه في كل شيء؛ زكاه في عقله فقال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:٢] , وزكاه في صدقه فقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:٣] , وزكاه في صدره فقال سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١] , وزكاه في فؤاده فقال سبحانه: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١]، وزكاه في ذكره فقال سبحانه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:٤]، وزكاه في ظهره فقال سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح:٢]، وزكاه في علمه فقال سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٥]، وزكاه في حلمه فقال سبحانه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، وزكاه كله فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] بأبي هو وأمي، هو صلى الله عليه وسلم رجل الساعة ونبي الملحمة وصاحب المقام المحمود، فهذا هو المقام المحمود الذي يغبطه عليه كل نبي في أرض المحشر, الذي وعد الله به نبينا في قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:٧٩].
فهذا هو المقام المحمود كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة, وأنا أول من ينشق عنه القبر, وأنا أول شافع وأول مشفع).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة كذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه, فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ -أي: ليكتمل جمال البنيان وجلاله، يقول المصطفى- فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم -فهو البليغ الفصيح- ونصرت بالرعب -وفي لفظ البخاري: مسيرة شهر- وأحلت لي الغنائم, وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً, وختم بي النبيون, وأرسلت إلى الناس كافة) هذه مكانة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.