الأمة الآن بعيدة عن أخلاق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والقدس لن تُرد بالخطب الرنانة، ولا بالمواعظ البليغة المؤثرة، فنحن نخطب من عشرات السنين!! والزعماء يهتفون من مئات السنين؛ والأمة ذليلة، والقدس مأسور من عشرات السنين.
فلن يعاد القدس بالخطب والمواعظ والمؤتمرات الكلامية فقط، وإنما بعودة الأمة إلى أخلاق دينها من جديد؛ لتحول الأمة هذا الدين في حياتها إلى واقع وإلى منهج حياة.
وكل واحد منا مخاطب الآن بكل كلمة من هذا الكلام؛ فأنت مخاطب بتصحيح العقيدة، وبتصحيح العبادة، وبتحقيق الشريعة، على قدر استطاعتك في نفسك وفي غيرك إن تمكنت، وأن تلتقي الكلمة على لسان رجل واحد لتحكيم شرع الله جل وعلا، فوالله! لو صدقت القاعدة كلها وصارت تهتف بتحكيم شرع الله فلن تستطيع قوة أن تحول بين هذه القاعدة وبين شرع الله جل وعلا، لكن يجب على الأمة أن تهتف وأن تنطق وأن تتكلم وأن تتحرك، فكلنا مخاطب بهذا المنهج، فأنت على ثغر، وستسأل بين يدي الله ماذا فعلت؟ وماذا بذلت؟ وماذا قدمت؟ وإن رأى الله منك أنك قد بذلت على قدر استطاعتك، وعلى قدر ما تملك؛ فقد أعذرت إلى الله جل وعلا، قال سبحانه:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، وقال سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وقال سبحانه:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:٧]، وقال سبحانه:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التوبة:١٠٥]، فلست مكلفاً ومسئولاً عن النتيجة، وإنما أنت مسئول عن البذل والعمل على قدر استطاعتك، ودع النتائج بعد ذلك إلى الله الذي يعلم السر وأخفى.
فلابد من العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، وقد يكون من اليسير أن نقدم منهجاً نظرياً في الأخلاق، وأن نقدم منهجاً نظرياً في التربية، ولكن هذا المنهج سيظل حبراً على ورق ما لم تحوله الأمة في حياتها إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، ولقد نجح المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وفق جاهلية جهلاء، ووسط صحراء تموج بالكفر موجاً؛ يوم أن نجح في أن يطبع آلاف النسخ من المنهج التربوي الإسلامي، ولكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الورق، وإنما طبعها على صحائف القلوب بمداد من النور، فيجب على الأمة بكل أفرادها أن تعود من جديد إلى أخلاق هذا الدين.