للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اليهود ونبي الله موسى عليه السلام]

لما أرسل الله نبيه موسى إلى فرعون بقوله سبحانه: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:١٧ - ١٩] رأى اليهود من بني إسرائيل في موسى حبل النجاة؛ فآمن به بنو إسرائيل، لعل الله ينجيهم من فرعون وملئه، فنجاهم الله جل وعلا، وشق لهم في البحر طريقاً يابساً، وأغرق فرعون وجنوده، وامتن الله عليهم بهذه النعمة فقال سبحانه: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:٤٩ - ٥٠].

فأكرمهم الله غاية الإكرام، ورزقهم بالمن والسلوى، ولما تركهم نبي الله موسى لمناجاة ربه جل وعلا؛ كفروا بالله سبحانه، وتمردوا على نبي الله هارون، وعبدوا العجل الذهبي من دون الله العلي جل وعلا!! فلما انطلق نبي الله هارون ليقول لهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [طه:٩٠] ردوا عليه: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه:٩١] فلما عاد إليهم نبي الله موسى ردوا عليه باستعلاء واستكبار وقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:٥٥] ثم بعثهم الله جل وعلا من بعد موتهم لعلهم يشكرون، ولعلهم يتوبون إلى الله جل وعلا، ولكنهم عاندوا وأعرضوا وازدادوا كفراً، فرفع الله جل وعلا فوق رءوسهم جبل الطور كأنه ظلة تهديداً ووعيداً، فارتعدت قلوبهم، واضطربت نفوسهم، وأعطوا العهود والمواثيق من جديد، ولكنهم سرعان ما نقضوا العهود! فهذه -أيها المسلمون- هي طبيعتهم وجبلتهم التي لا تفارقهم ولن تفارقهم إلى قيام الساعة؛ فقد نقضوا العهد مع الله جل وعلا، ونقضوا العهد مع نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، واعتدوا يوم السبت، فعاقبهم الله عز وجل فمسخهم قردة وخنازير كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٦٥ - ٦٦].

وقال سبحانه في سورة المائدة: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:٦٠].

ثم أمرهم الله أن يدخلوا الأرض المقدسة مع نبي الله موسى، فكذبوا وعاندوا وأعرضوا وأبوا ورفضوا أمر الله عز وجل، فحكم الله عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة.

وبعد هذه المدة الطويلة منّ الله عليهم فأدخلهم الأرض المقدسة، ولكنهم سرعان ما نقضوا العهد مرة أخرى مع الله جل وعلا؛ فبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم.

فاليهود لا عهد لهم ولا ذمة؛ فقد نقضوا العهد مع الله، ونقضوا العهد مع رسول الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

ثم توالت عليهم الأنبياء تترى بعد نبي الله موسى، فكذبوا فريقاً من الأنبياء، وقتلوا فريقاً آخر، قال الله جل وعلا: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٨٧ - ٨٨].