أيها الأحبة! قد يقول قائل من آبائنا وأحبابنا: هؤلاء هم أصحاب النبي، وهؤلاء هم السلف، فأين نحن من هؤلاء؟! فنقول: يا إخوة! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ والله ذو الفضل العظيم، كما قال تعالى:{ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين}[الواقعة:٣٩ - ٤٠] وقال: {ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين}[الواقعة:١٣ - ١٤].
هذا شاب أمريكي يختم له وهو ساجد يصلي لله عز وجل.
وأخبرني بعض الإخوة عن داعية من إخواننا في الإسكندرية، وقف يتكلم عن مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة، وهو يتلمض ويتغيظ قلبه، ويكاد قلبه أن يتمزق وأن يتقطع، فيصاب بانفجار في المخ؛ فيموت وهو على منبر رسول الله! انظروا إلى الخواتيم؛ فالخواتيم ميراث السوابق.
وهذه أخت فاضلة ترجع مع زوجها بعد العمرة، وتركب الباخرة التي سمعتم عن حكايتها، وأوشكت الباخرة على الغرق، فقال هذا الزوج لزوجته: هيا اخرجي لنصعد فوق السطح؛ لأن المركب يغرق، فقالت: انتظر حتى ألبس ثيابي ونقابي فقال: هذا وقت نقاب؟! أهذا وقت ثياب؟! اخرجي فالناس أوشكوا على الغرق، فقالت: والله! لن أخرج إلا بكامل ثيابي، حتى إن قدر الله عليّ الموت ألقى الله وأنا على طاعة، ولبست ثيابها والمركب يغرق، وصعدت إلى السطح، فلما علمت أنها إلى الهلاك سائرة تعلقت بزوجها وقالت: أستحلفك بالله، هل أنت راضٍ عني؟ فبكى، فقالت: أريد أن أسمعها منك، قال: والله! ما رأيت منك إلا الخير، قالت: أريد أن أسمعها منك، فنظر إليها وبكى، وقال: أشهد الله أني راضٍ عنك، فتعلقت به وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يقول: والله! ما رأيتها بعد هذه الكلمات، وأسأل الله أن يجمعني بها في جنة رب الأرض والسماوات.
إنها الخواتيم! وهذا مؤذن يؤذن عشرين سنة ابتغاء مرضات الله عز وجل، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً أعجزه أن يخرج للصلاة، وأعجزة أن يخرج إلى بيت الله جل وعلا، وفي اليوم الموعود بكى، ورفع أكف الضراعة إلى الله وقال: يا رب! أؤذن عشرين عاماً، وأحرم من الأذان في آخر عمري! فنادى على أولاده وقال: وضئوني، فوضئوه، فقال: هل حان وقت صلاة الظهر؟ قالوا: نعم، فقام على سريره في بيته واتجه إلى القبلة ورفع الأذان كاملاً إلى أن وصل إلى قوله: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم خر على سريره، وقد فاضت روحه إلى الله، ولسانه يردد: لا إله إلا الله! لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.