للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انطباعات حول رحلة أمريكا]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، طبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! اسمحوا لي أن يكون لقاؤنا اليومَ بعنوان: (رحلتي إلى أمريكا بين الحقائق والآمال والواجبات).

فلقد شرفني اللهُ جل وعلا في الأيام القليلة الماضية بالمشاركةَِ في ثلاثة مؤتمرات إسلامية في أمريكا، أستطيع أن أعطي حضراتكم لمحة سريعة عن هذه المؤتمرات، قبل أن أسجل بين يدي حضراتكم بعض انطباعاتي عن هذه الزيارة: أما المؤتمرُ الأول: فقد عُقد في مدينة (إنديانا بوليس) تحت إشراف جمعية القرآنِ والسنة التي يقوم عليها إخوةٌ فضلاء كرام، يقدمون الإسلام غضاً طرياً صافياً خالصاً من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة.

يقدمون الإسلام بهذه الصورة المشرقة في بيئة قد أحرقها لفح الهاجرة القاتل، وأرهقها وأضناها طول المشي في التيه والظلام، هذا المؤتمر الذي يقوم عليه هؤلاء الإخوة الفضلاء كان الموضوع الذي طرحه في هذا العام: (العملُ الإسلاميُ المعاصر بين عذاب الاختلاف ورحمة الائتلاف).

وشارك فيه مجموعةٌ من العلماء والدعاة وحضر المؤتمر عدةُ مئات من المسلمين والمسلمات.

أما المؤتمر الثاني: فكان في مدينة (ديترويت) تحت إشراف رابطة الشباب المسلم العربي، هذه الرابطة المباركة التي بدأت بأفراد قلائل، ويقوم عليها إخوة يعتز بهم كل مسلم، هؤلاء الإخوة الذين رأيت منهم مواصلة الليل بالنهار، وبذل الجهود والطاقات لإنجاح هذا المؤتمر الكبير، هؤلاء الإخوة يتطوعون بعملهم هذا لله جل وعلا، هذا المؤتمر الذي كان موضوعه الذي طرحه في هذا العام بعنوان: (الأمة الإسلامية شروق لا غروب)، وحضر في هذا المؤتمر عدد كبير من أكابر علماء الأمة ودعاتها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأصغ لي السمع أيها الحبيب وانتبه! فإن عدد الحضور في هذا المؤتمر في أمريكا بلغ ستة آلاف مسلم ومسلمة، وقد احتلوا أكبر فندق في هذه المدينة، وتحول هذا الفندق بقاعة المؤتمرات إلى تظاهرة إسلامية شماء شامخة تبكي العيونَ فرحاً، وتهز القلوبَ أملاً لدين الله جل وعلا!! وفي أول ليلة من ليالي هذا المؤتمر قام أحد الإخوة بدعوة المسلمين إلى مد يد العون لإخوانهم في البوسنة والهرسك وفي فلسطين وفي كشمير، وكانت العجيبة التي لا أصدقها إلى الآن أن الإخوة جمعوا في هذه الليلة ما يزيد على مائتين وأربعين ألف دولار في نصف ساعة! وفي الليلة التالية جمعوا أكثر من مائة وثمانين ألف دولار! إنه الإسلام! إنه العمل الجاد! ولا يفوتني هنا أن أسجل كلمة حق لله جل وعلا، وهي أنه على الرغم من وجود بعض الملاحظات على هذا المؤتمر إلا أنها تذوب تماماً مع الحسنات الكبيرة الكبيرة، فقد بلغ الإخوة في هذا المؤتمر درجة من التنظيم والتنسيق والترتيب والإبداع يسعد ويعتز بها كل مسلم ومسلمة في أرض الله جل وعلا، لاسيما وقد علمتم أن الحضور قد بلغ في هذا المؤتمر قرابة ستة آلاف مسلم ومسلمة.

أما المؤتمر الثالث: فكان في (كندا) في مدينة (توزنتو) تحت إشراف الاتحاد الإسلامي الصومالي، أسمعتم؟! تحت إشراف إخوان لنا من الصوماليين الذين هاجروا من بلادهم هرباً بدينهم من نيران الحروب الأهلية الطاحنة، وذهبوا إلى كندا وتحركوا لدين الله جل وعلا، وتعجبون إذا علمتم أن الطرح الذي طرحه المؤتمر في هذا العام كان بعنوان: (نحو منهج السلف)، أي: نحو منهج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي!! على أيدي إخوة صوماليين يتحركون لدين الله جل وعلا في بلد مثل كندا!! وقد شارك في المؤتمر عدد من العلماء والدعاة، وكذا حضره عدة مئات من المسلمين والمسلمات.

ثم يسر الله لنا بعض الزيارات لبعض المساجد والمراكز الإسلامية، وكادت سعادتنا وفرحتنا أن تبلغ عنان السماء ونحن نتجول بين أجهزة حديثة وصرح شامخ في ولاية (فرجينيا) في معهد الدراسات الإسلامية والعربية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا الصرح الشامخ الذي يسعد ويعتز به كل مسلم ومسلمة، أنشئ منذ ثلاث سنوات فقط وافتتح رسمياً منذ عام واحد، وبالرغم من ذلك، لو وقفتم على نشاطات هذا المعهد لعجبتم، ومن أروع ما قدمه هذا المعهد: برنامجاً بالكمبيوتر لتعليم الإسلام باللغة الإنجليزية للمسلمين ولغير المسلمين من الأمريكيين، مع طبع النشرات والدوريات والمجلات وترجمة بعض الكتب، فضلاً عن أنه يدرس للطلاب العرب والأمريكيين ويمنح البكالوريوس مع الماجستير في الدراسات العليا للدراسات الإسلامية.

من كان يظن أن هذا العمل للإسلام يكون يوماً ما في أمريكا! أنا لن أتحدث اليوم عن أمريكا، ولا عن الشعب الأمريكي، ولا عن أخلاقه، وإنما أحدثكم اليوم عن الأمل عن البسمة عن السرور عن الفجر الذي بدأ يتدفق ويتحرك كالنسيم في كل بقاع الدنيا، حتى في قلب أمريكا يعمل هذا العمل المنظم لدين الله جل وعلا، وعلمنا ونحن في مؤتمر (ديترويت) أن هناك مؤتمراً آخر يعقد في فرنسا، وما استطعنا أن نلبي الدعوة ونذهب إلى هناك، وحضر المؤتمر في فرنسا ما يزيد على خمسة وثلاثين ألف مسلم ومسلمة! شيء عجيب! ولا أريد أن أطيل عليكم أيها الأحبة! فدعوني أسجل لحضراتكم بعض انطباعاتي عن هذه الرحلة بين الحقائق والآمال والواجبات