[حرب المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم]
حين ترك النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهاجر إلى المدينة هل توقف مسلسل الحرب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، بل لقد فتحت جبهات جديدة أخرى من جبهات الحرب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تترك قريش رسول الله، بل خرجت بطراً ورئاءً بحدها وحديدها لتحاد الله ورسوله، خرجت للقضاء على النبي شخصياً في بدر وفي أحد وفي الأحزاب، ولكن الله نجى نبيه، وفتحت في المدينة جبهة جديدة حقيرة من جبهات الحرب، ألا وهي جبهة أهل النفاق، أعلن المنافقون الحرب على رسول الله، ولكنها حرب من نوع قذر، من جنس ما يعلن الآن على الإسلام ورموز الإسلام.
اتهم المنافقون رسول الله في شرفه، وأنا لا أسوق مثل هذا التاريخ للاستمتاع السالب ولا للثقافة الذهنية الباردة؛ فإن كثيراً من المسلمين يتعامل الآن مع السيرة تعاملاً ذهنياً باهتاً وتعاملاً ثقافياً بارداً، ولسان حال الكثيرين: كان يا مكان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
وكأنه يستمع إلى قصة أبي زيد الهلالي، أنا لا أسرد هذا التاريخ وهذه الحلقات المؤلمة من مسلسل الحرب الطويل للاستمتاع السالب، ولا لمجرد الثقافة الذهنية الباردة، كلا اتهم المنافقون رسول الله في شرفه، وفي عرضه! هل اتهمت في عرضك أيها السالك لطريق النبي؟ هل اتهمت في شرفك لتتخلى عن مبادئك عند أول منعطف من المنعطفات أو محنة من المحن أو ابتلاء من الابتلاءات؟ اتهم النبي في عرضه وفي شهامة بيته، وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على جميع العالمين، اتهم في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة كل الحرمات في أمته، وفيمن؟! في عائشة التي أحبها من كل قلبه، فلما رأى رأس النفاق الخبيث عبد الله بن أبي عائشة مع صفوان بن المعطل قال الخبيث قولة خبيثة في غير رواية الصحيحين، قال: من هذه؟ قالوا: عائشة.
قال: ومن هذا؟ قالوا: صفوان.
فقال الخبيث الوقح: امرأة نبيكم تبيت مع رجل حتى الصباح! والله ما نجت منه وما نجا منها، وتستشري الإشاعة الخبيثة وتنتشر كانتشار النار في الهشيم.
ويظل النبي شهراً كاملاً يحطم الألم قلبه، ويفتت الحزن كبده، إيذاء إلى هذا الحد! حتى نزل قول الله تعالى ببراءة الطاهرة الصديقة بنت الصديق: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:١١] إلى آخر آيات سورة النور.
والمنافقون هم الذين قالوا: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:٧].
والمنافقون هم الذين قالوا: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨].
والمنافقون هم الذين قالوا في حق النبي: سمن كلبك يأكلك.
والمنافقون هم الذين قالوا: غبر علينا ابن أبي كبشة.
حرب قذرة خبيثة، جبهة أخرى من جبهات الحرب على النبي صلى الله عليه وسلم.