أيها الأحبة! هذا الحبيب يحلو لكل مسلم محب أن يتذكره، وأن يتصوره، وأن يتخيله، وأن يعيش بقلبه مع هذا الحبيب، ليعرف كيف كانت حياته؟ كيف كان وجهه؟ كيف كان شعره؟ كيف كانت لحيته؟ كيف كان صدره؟ كيف كانت يده؟ كيف كانت قدمه؟ كيف كانت مشيته؟ كيف كانت نومته؟ كيف كان طعامه؟ كيف كان شرابه؟ كيف كان أكله؟ كيف كان ذكره؟ كيف كان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم؟ ولم لا؟! وقد أمرنا الله جل وعلا أن نقتفي أثره، وأن نسير على دربه، وأن نقلده في كل شيء، قال جل وعلا:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١].
أنت مأمور أيها المسلم الموحد! أن تسير على دربه، وأن تقتفي أثره، وأن تتبع سنته، تعرف كيف كان يأكل لتأكل مثله، وكيف كان يجلس لتجلس مثله، وكيف كان ينام لتنام على هيئته، وكيف كان يتكلم لتتكلم على طريقته، وكيف كان يمشي لتمشي على طريقته، فهو حبيبك وقدوتك وأسوتك، ولن تصل إلى الله جل وعلا إلا من طريقه، ومن الباب الذي دلك عليه الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.
إن رسول الله -أيها الأحبة- بشر:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ}[الكهف:١١٠]، ولكنه لم يكن بشراً عادياً.
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ولكنه خير خلق الله كلهم {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[الكهف:١١٠]، وهذه هي التي رفعت قدره، وأعلت شأنه، ورفعت مكانته عند الله جل وعلا وعند الخلق، ولن تنال رفقته في الجنة وشفاعته يوم القيامة إلا إن اتبعت سنته، وسرت على طريقته، واقتفيت أثره:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١].
رسول الله لم يكن بشراً عادياً أيها الأحبة؛ لأنه شرف بالوحي الذي أنزله الله عليه.
ألم تعلم أخي الحبيب! أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث جابر:(أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نام تنام عينه ولا ينام قلبه): (جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً: فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقال بعضهم: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدُبةً، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقال بعضهم: أوِّلوها له يفقهها -فسروا له الرؤيا هذه- فقال بعضهم: إنه نائم، وقال البعض: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: الدار هي الجنة، والداعي هو محمد فمن أجاب محمداً دخل الجنة، ومن لم يجب محمداً لم يدخل الجنة، ومحمد فرَّق بين الناس).
فمن آمن بالحبيب، وسار على درب الحبيب، واتبع سنة الحبيب، نال شفاعة الحبيب يوم القيامة، ونال رفقته وصحبته في الجنة، ومن خالف هدي الحبيب لم ينل الشفاعة، وحُرِمَ من هذه الرِّفعة وتلك الصُّحبة.
أسأل الله جل وعلا أن يمتعنا وإياكم بصحبته بحبنا له، إنه ولى ذلك والقادر عليه.