[وجوب نبذ الفرقة، وتوحيد الصف، وتحقيق معنى الأخوة]
الفرقة شر، والخلاف هزيمة وضعف، قال الله جل وعلا: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:٤٦] أي: تضيع قوتكم.
واليهود ما تلاعبوا بالأمة، وضربوا الأمة بالنعال على أم رأسها إلا يوم أن علم اليهود يقيناً أن الأمة مبعثرة متشرذمة؛ إذ كل دولة في الأمة لا همّ لها إلا أن تحفظ حدودها، وإلا أن ترفع قوميتها ووطنيتها، فالأمة قد تمزقت إلى دويلات، بل وتفتت الدويلات هي الأخرى إلى دويلات!!! ودق العدو الفاجر مسماراً قذراً يسمى بمسمار الحدود بين الدول الاسلامية والعربية، فلا تكاد نار الفتنة على حد بين دولتين تهدأ وتخمد إلا ويطرق الأعداء على رأس هذا المسمار بقوة في مكان آخر؛ لتشتعل النار مرة أخرى بين بلدين عربيين مسلمين، فخلافات الأمة ممزقة، والعدو لا يحترم إلا القوي!! أول بروتوكول من بروتوكولات جبناء صهيون يقول: الحق مع القوة.
وقال الإرهابي الكبير مناحيم بيجن: إننا نحارب، إذاً نحن موجودون، فالعالم لا يحترم الضعفاء! وهذا كلام واضح، فالعالم لا يحترم الضعفاء، العالم لا يحترم إلا الأقوياء، هذه هي عقيدة الغرب، ومخدوع من ظن أن الغرب لا يكيل بمكيالين، بل إنه مكيال واحد، إنه مكيال العداء في كل وقت وحين.
قال الشاعر: قالوا لنا الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا الغرب مقبرة العدالة كلما قطعت يد أبدى لها السكينا الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا الغرب يكفر بالسلام وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلامَ يحمل قومنا الزيتونا كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا فلا أقول يكيل بمكيالين، بل يكيل بمكيال واحد، إنه مكيال العداء للإسلام، فالغرب يعلن كله: أنه بعد سقوط الشيوعية لم يعد لنا عدو إلا الإسلام، ولم يبق لنا في حلبة العداء إلا الإسلام! وهذا كلام معلن وصريح؛ فالعالم لا يحترم الضعفاء.
وبمجرد أن التقت الدول العربية في الجامعة، وأصدرت قراراً واحداً؛ فزع العالم وخاف من قرار كلمة، وصرخت وزيرة الخارجية الأمريكية الخبيثة اليهودية وقالت: كيف تجرأت الجامعة واتخذت هذا القرار؟! فتوحيد الكلمة قوة، فلماذا لا تلتقي الأمة؟!! الأمة تعلم يقيناً أنه لا عز لها ولا كرامة إلا إذا تكلمت بلسان رجل واحد، وعلم الأعداء أنها التقت على قلب رجل واحد.
قال العرب قولة في حرب العاشر من رمضان، فحولت تلك الكلمة موازين المعركة، وذلك يوم أن اتخذ العرب قرار منع البترول، فانقلبت الموازين وتحولت الدفة تماماً.
فالمسلمون يعلمون يقيناً أنهم لو يتفقون على كلمة فسوف يفزع العالم كله.
قال عز وجل: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤] فقلوبهم مملوءة بالفزع، فما على الأمة إلا أن توحد الصف، وأن تنبذ الفرقة والخلاف، وأن تحقق معنى الأخوة، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].
فينبغي أن ترفض الأمة هذه النعرات، وأن تسقط هذه الرايات، وأن تعلي راية الإسلام وراية الأخوة، وأن تحقق قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] فهذه الأخوة هي التي ساوت بين سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وأبى ذر الغفاري، وحمزة القرشي، ومعاذ الأنصاري، وبلال الحبشي، إنها أخوة الدين، إنها أخوة العقيدة، فأخي ولو كان في أقصى الشرق والغرب هو من كان على الإسلام، وأخي ابن أمي وأبي لا أعرفه إن كان على غير الإسلام.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فالرابطة التي ربطت الأمة قديماً هي رابطة الإخاء في الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، ولو عرفنا معنى هذه الأخوة لعلمنا أن لإخواننا في القدس وفى الشرق وفى الغرب حقوقاً علينا، ويجب علينا ألا نتنصل منها، وإلا فإن الأمة كلها آثمة إن تخلت عن هذه الحقوق، وضيعت هذه الواجبات.
قال الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:١٠]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
فلا كرامة للأمة إلا إذا وحَّدَتْ صَفَّهَا، ونزعت هذه الفرقة من قلوبها، وحققت معنى الأخوة الإيمانية؛ فإن رابطة العقيدة هي أعظم رباط، وهي أوثق صلة، وبدونها لا يمكن أبداً أن يحترم العالم كله هذه الأمة التي تبعثرت كتبعثر الغنم في الليلة الشاتية الممطرة.