[ظهور المهدي عليه السلام]
في هذه المرحلة الزمنية الخطيرة يحدث في الكون أمرٌ قدريٌ كونيٌ لا دخل فيه للبشر على وجه الأرض، إنه أمرٌ قدره الله وقضاه في أم الكتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، أمرٌ ليس بكسبٍ مادي، ولا بطلبٍ بشري، إنما هو أمرٌ قدره الرب العلي يقع في الكون، كنزول عيسى بن مريم، وكخروج يأجوج ومأجوج، وكخروج المسيح الدجال.
ما هو هذا الحدث الكوني الخطير؟! إنه ظهور محمدٍ بن عبد الله المهدي -اللهم عجل به يا كريم يا علي! -.
من المهدي هذا؟ إنه رجلٌ من نسل المصطفى من أولاد فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخرج بدون كسبٍ منه، وطلبٍ، وبدون رغبةٍ أو طلبٍ من المسلمين، أو عملٍ معين، وإنما هو أمرٌ قدري كوني يقع في الكون كنزول عيسى وخروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج.
قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وصححه العلامة أحمد شاكر، والعلامة الألباني من حديث علي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) أي: يهيئهُ الله للخلافة رغم أنف العلمانيين والمنافقين، ويصلحه الله في ليلة، إننا سنبيت ليلة عادية من الليالي ونستيقظ في الصباح فنسمع نشرات الأخبار ونسمع في كل وكالات الأنباء وفي جميع وسائل الإعلام أن المهدي عليه السلام قد ظهر في بيت الله الحرام، (يصلحه الله في ليلة) أي: يهيئه الله للخلافة الراشدة؛ ليقود الأمة في هذه المرحلة القادمة، مرحلة الفتن والملاحم بين يدي الساعة.
روى الإمام أحمد في مسنده بسندٍ صحيح من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً -وهو ما تحياه الأمة الآن- فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) (المهدي منا آل البيت يصلحه الله في ليلة).
وفي الحديث الذي رواه الطبراني والبزار والترمذي وابن حبان وابن ماجة والحاكم بسندٍ صحيح صححه الألباني في السلسلة وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت الأرض جوراً وظلماً يبعث الله رجلاً مني، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي, فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت الأرض ظلماً وجوراً، فلا تمسك السماء شيئاً من قطرها، ولا تمسك الأرض شيئاً من نباتها, فيمكث فيكم سبعاً أو ثمانية فإن أكثر فتسعاً).
أيها المسلمون: لقد بلغت أحاديث المهدي مبلغ التواتر, والحديث المتواتر عند جماهير علماء الأمة يفيد العلم القطعي، ومعنى ذلك أن العلم به واجب، وأن العمل فرضٌ لازم.
وتدبروا معي كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، فقد يسأل سائل: وكيف نعرف أن الذي خرج في مكة هو المهدي الحقيقي، فقد خرج كثيرٌ من الكذابين والدجاجلة وادعى كل واحدٌ منهم أنه المهدي، فكيف نعرف أنه المهدي الحقيقي؟ لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعلامةٍ نبوية محمدية صادقة إن وقعت تلك العلامة فلتعلم الأمة كلها أن الذي ظهر ببيت الله الحرام هو محمد بن عبد الله المهدي عليه السلام، ما هي هذه العلامة؟ اسمع كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (عبث رسول الله يوماً في منامه -يعني: تحرك النبي حركةً على غير عادته في النوم- فقالت عائشة: يا رسول الله! رأيتك قد فعلت شيئاً لم تكن تفعله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: العجب أن ناساً من أمتي يؤمُّون البيت الحرام -أي: يقصدون البيت الحرام- لرجلٍ من قريش لجأ بالبيت الحرام، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم) أي: إذا خرج هؤلاء القوم لهذا الرجل الذي اعتصم ببيت الله الحرام يخسف الله الأرض بهذا الجيش، هذه هي العلامة، وهذا أمرٌ كونيٌ قدريٌ آخر لا دخل لأحدٍ من البشر فيه، قالت عائشة: (قلت: يا رسول الله! فإن الطريق يجمع الناس -يعني ما ذنب كثيرٍ من الناس ممن يمشون في الطريق ممن لم يخرجوا لقتال المهدي في هذا الجيش- فقال النبي: نعم.
فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون جميعاً مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم) يبعث الله كل واحدٍ منهم على نيته الذي خرج بها ومات عليها.
وفي صحيح مسلم من حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يعوذ بالبيت -أي يحتمي ويعتصم ببيت الله الحرام- قومٌ -تدبر معي هذا الوصف النبوي الجميل- قومٌ ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة -فقراء ضعفاء- فيخرج إليهم جيش -أي: لقتالهم والقضاء عليهم- فإذا كانوا ببيداء من الأرض -أي: بصحراء من الأرض- خُسِف بهم) وفي لفظٍ في مسلم: (فلا يبقى إلا الشريد) أي: الذي ينجو من الجيش رجلٌ أو رجلان، ليخبرا عما أوقعه الله تبارك وتعالى بهذا الجيش الذي خرج للقضاء على المهدي عليه السلام.
فإن خسف الله بهذا الجيش علم المسلمون في الأرض أن الذي ظهر ببيت الله الحرام هو المهدي عليه السلام، فتقبل إليه الوفود المسلمة من أنحاء الأرض، ويقبل إليه المسلمون من كل أرجائها ليشدوا على يديه وليعلنوا له البيعة وليعاهدوا الله معه على الجهاد في سبيل الله وعلى إعلاء كلمة الله للبلوغ إلى إحدى الحسنيين: إما النصر وإما الشهادة؛ نسأل الله أن لا يحرمنا من هذا الشرف إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فماذا بعد البيعة؟ يعلن العالم كله الحرب على المهدي وكتائب التوحيد معه، فلا يعرف الموحدون مع المهدي طعماً للراحة ولا وقتاً للرخاء والدعة، بل يخوضون معارك وملاحم خطيرة في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً، فلا يُهزم المهدي في أي معركة بإذن الله.