أولاً: دعا أعداء ديننا في أول الأمر إلى حرية الفكر، وقالوا بأن هذا هو الباب الذي سيفتح الطريق على مصراعيه إلى النظريات المضلة والأفكار الهدامة، فنادوا أول ما نادوا إلى تطوير الأزهر، وإن شئتم فقولوا: إلى تدمير الأزهر! قالوا بأن الإسلام دين جامد، دين لا حرية فيه ولا تطور فيه، ولا رقي، إنما هو دين نزل على الأعراب والبدو في أرض الجزيرة، وقد انتهت مهمته، فلم يعد لهذا الإسلام وجود، ولا بد ألا يكون له وجود، وعليه؛ فلا بد إذاً من الانفتاح على الشرق أو على الغرب.
دعوا إلى تطوير الفكر، ونجح في ذلك أعداء ديننا نجاحاً باهراً، وجاء النجاح على أيدي أصحاب الولاء وأصحاب المحبة للشرق والغرب، الذين دعاهم الاستعمار ليحجوا إلى كعبتهم وإلى قبلتهم في الشرق الملحد أو الغرب الكافر، فاستجابوا لدعوته، وعاد هؤلاء الذين مسخهم الاستعمار وزينهم ورفعهم، ليغلغلوا في عقول وقلوب الشباب تلك المعاني السامة.
ومن هؤلاء من يسمى بعميد الأدب العربي -وأنا أسميه بوائد الأدب العربي- الذي ذهب إلى فرنسا، ثم عاد ليحارب الإسلام بمنتهى البجاحة، طه حسين، محرر الجيل! الذي دمر الجيل والأجيال التي تلته، الذي دعا أول ما دعا إلى الاختلاط السافر بين الجنسين، الرجل ابن الصعيد، الذي ذهب إلى باريس بإيماء وباستدعاء من أعداء هذا الإسلام، لأن الخطر الحقيقي أن يحارب الإسلام على أيدي أبنائه من المسلمين، فهذه قمة الخطورة! هذا الذي ذهب إلى هناك وزينه الاستعمار تزييناً، ونفخه نفخاً، هو ابن الصعيد -مع أن أبناء الصعيد تجري الغيرة في عروقهم، وتسري الشهامة والرجولة في قلوبهم، ولكن هذا قد دمر كل هذه المبادئ- عاد وقد تشرب أفكار الاستعمار، وأراد أن يغذي الشباب بها كما عاد رفاعة الطهطاوي ليكتب في كتابه الأسود (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، عاد ليقول بالحرف الواحد: إن الرقص على الطريقة الأوروبية -وأنتم تعلمون كيفية الرقص على الطريقة الأوروبية، فإن أبا الشياطين الذي يسمى بالتلفزيون قد علم الصغير قبل الكبير ما هو الرقص على الطريقة الأوروبية- ليس داعياً من دواعي الفساد، وإن الاختلاط بين الجنسين ليس داعياً من دواعي الفسق والانحلال! ومن هؤلاء: نجيب محفوظ، صاحب رواية: أولاد حارتنا هذا الذي غضب الكثير له حينما تكلمنا عليه، فقالوا: من أنتم لتتكلموا على هؤلاء العمالقة؟! قلنا لهم: نحن -والحمد لله- مسلمون موحدون، وهؤلاء والحمد لله يأبى الله -كما قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله- إلا أن يظهر النفاق على صفحات وجوههم، وفي زلات أقلامهم، ولا يمكن أن يجتمع النفاق والإيمان في قلب واحد، فإما إيمان أو نفاق.
وغير هؤلاء ممن زينهم الاستعمار ورفع شأنهم، فصفقت لهم الجماهير المخدوعة، والجماهير المضللة، وعاد هؤلاء ليغلغلوا في عقول الشباب بخاصة وفي عقول المسلمين بعامة، أن الفكر الأوروبي طود شامخ ولا سبيل إلى نهضة المسلمين وإلى رقيهم وإلى حضارتهم إلا إذا ضيع المسلمون إسلامهم، وعادوا ليعتنقوا هذا الفكر الأوروبي.