[تكليم الله للعبد وأخذ الكتاب باليمين أو بالشمال]
انتبه أيها الحبيب! سينادى عليك في هذا المشهد الرهيب، في يوم الفضائح، ويوم القيامة والزلزلة والحسرة، في يوم الحاقة والقارعة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠]
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير
وإذا البحار تفجرت نيرانها فرأيتها مثل الجحيم تفور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك: أين نسير
وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور
وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور
وإذا الصحائف نشِّرت وتطايرت وتهتكت للعالمين ستور
وإذا الجنين بأمه متعلقٌ يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنبٍ يخاف جنايةً كيف المصر على الذنوب دهور
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور
ينادى عليك باسمك لترى نفسك بين يدي الله بدون متكلمٍ أو ترجمان، كما في حديث عدي بن حاتم وهو مخرج في الصحيحين: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
إن كنت من المؤمنين الموحدين قربك الله جل وعلا منه، كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يُدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه كنفه) والكنف لغة لا تأويلاً للصفة: هو الستر والرحمة، فلا تؤولوا صفة ولا تعدوها: (حتى يضع رب العزة عليه كنفه، ويقرره بذنوبه) هذا العبد المؤمن، يقرره الله بذنوبه ويقول له: (أنت عملت كذا يوم كذا، وعملت كذا يوم كذا، فيقول المؤمن: ربِ أعرف! ربِ أعرف! فيقول الله جل وعلا: ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم) اللهم اجعلنا من هؤلاء.
ويعطيك الله كتابك بيمينك، وتنطلق ينير وجهك، ويشرق النور من على يمينك، ومن بين يديك: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:٨].
أهل الأنوار إذا أعطاه الله الكتاب بيمينه انطلق في أرض المحشر وقد أشرقت أعضاؤه وأنار وجهه، ينطلق إلى أحبابه وإخوانه وإلى من هم على شاكلته ليبشرهم، فلقد سعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وفاز فوزاً لن يخيب بعده أبداً، ينطلق في أرض المحشر وكتابه بيمينه، ويقول لأحبابه ولإخوانه ولخلانه: هيا اقرءوا معي كتابي، انظروا هذا توحيدي وصلاتي وزكاتي وحجي ودعوتي وصبري على الابتلاء واحتسابي، وهذا ديني: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤].
وإن كانت الأخرى -والعياذ بالله- أعطاه الله كتابه بشماله أو من وراء ظهره، واسود وجهه، وكسي من سرابيل القطران، وقيل له: انطلق إلى أمك الهاوية، فينطلق في أرض المحشر وكتابه بشماله، وقد اسود وجهه، ويقول كما قال الله حكاية عن هذا الصنف الخبيث: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:٢٥ - ٣٧] نسأل الله أن يسترنا وإياكم يوم العرض، وتحت الأرض، وفوق الأرض، إنه ولي ذلك ومولاه.