فاروق الأمة عمر خلافته عشر سنوات وستة أشهر فقط، قدم فيها للدنيا كلها قدوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في هذه الفترة القليلة التى لا تساوي أي شيء في حساب الزمن، يقدم عمر لدنيا الناس كافة قدوة لا تبلى بل ولن تبلى، إنها قدوة تتمثل في حاكم بركت الدنيا كلها على عتبة داره وهي مثقلة بالغنائم والأموال والكنوز والطيبات! فقام عمر يسرحها سراحاً جميلاً، قام لينثر على الناس خيراتها، وليدرأ عن الناس مضلاتها وفتنها، حتى إذا ما نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل، قام ليستأنف سيره ومسراه إلى مولاه، انظر إليه هنالك، ستراه يجري في وقت الظهيرة المحرقة وراء بعير من إبل الصدقة قد ند يخشى عليه الضياع، فيلتفت إليه عثمان من شُرفة بيته، يا ترى! من هذا الذي يجري في هذا الوقت الحار؟! إن الشمس تذيب الحجارة والحديد، بل وتكاد أشعتها التي انعكست على الرمال أن تخطف الأبصار، ولما دنا من هذا الذي يجري فإذا به عمر أمير المؤمنين! فقال عثمان: يا أمير المؤمنين! ما الذي أخرجك في هذه الساعة المحرقة؟! فيرد عمر: بعير من إبل الصدقة قد ند -يا عثمان - أخشى عليه الضياع!! وأخشى أن أسأل عنه بين يدي الله يوم القيامة!! فقال عثمان: تعال إلى الظل وإلى الماء البارد يا أمير المؤمنين! وكلف أحد عمالك بالبحث عن البعير، فالتفت إليه عمر وقال: عد إلى ظلك ومائك البارد يا عثمان، أأنت ستحمل عني وزري أمام الله يوم القيامة؟! إنه عمر الذي أرهب الملوك والحكام، وجاءت تحت قدميه مفاتيح أعظم الإمبراطوريات: إمبراطورية فارس، وإمبراطورية الروم، وانتشر الإسلام في عهد عمر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بل ورفرفت راية الإسلام على روسيا في عشر سنوات وستة أشهر! إنها بركة الأعمار! إنها الأعمار الطويلة المزكاة المباركة من الله.