للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نموذج فريد للأخوة الإيمانية]

تدبر معي هذه النماذج ولن أطيل فيها، تدبر معي في هذا النموذج العظيم الأول: في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري)، يوم أن هاجروا من مكة إلى المدينة اختار النبي سعد بن الربيع أخاً في الإسلام لـ عبد الرحمن بن عوف المهاجر من مكة، تدبر ماذا قال الأنصاري لأخيه، قال سعد بن الربيع: يا عبد الرحمن! إني أَكْثَرُ الأنصار مالاً، وسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي زوجتان فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها).

والله إن الحلق ليجف، وإن القلب ليرتعد فرحاً وخجلاً، وإن الكلمات كلها لتتوارى خجلاً وحياءً أمام هذه الأُخُوَّةِ.

لولا أن الحديث في الصحيحين لظننت أنه من نسج الخيال أن يقول رجل عربي له شهامة، وعنده من الرجولة ما نعلم جميعاً، يقول لأخيه: (عندي امرأتان فانظر أعجبهما إليك؛ لأطلقها، حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها)، فيرد عليه العفيف الشريف عبد الرحمن بن عوف ويقول: (بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، فدله على سوق بني قينقاع، فذهب فباع واشترى وربح.

وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صُفْرَةٍ، فقال له النبي: (مَهْيَمْ؟ -يعني: ماذا صنعت يا عبد الرحمن؟ - قال: تزوجت امرأة من الأنصار يا رسول الله، قال النبي: وماذا سقت لها من مهر؟ فقال: سقت لها مقدار نواة من ذهب، فقال له المصطفى: أو لم ولو بشاة).

وإن سألني سائل وقال: أين من يعطي الآن عطاء سعد بن الربيع؟ ف

الجواب

وأين من يتعفف عفة عبد الرحمن بن عوف؟ فلقد وجد سعد يوم وجد عبد الرحمن، وضاع سعد يوم ضاع عبد الرحمن.

جاء رجل فقير إلى أحد الأغنياء الأثرياء ليسأله الصدقة بإلحاح، فلما امتنع الغني قال له الفقير: أين الذين ينفقون لله سرّاً وعلانية؟ فقال له الغني: ذهبوا مع من لا يسألون الناس إلحافاً.

إنه مجتمع فريد فيه سعد وفيه عبد الرحمن، فيه من يبذل وفيه من يتعفف، والمربي لـ سعد ولـ عبد الرحمن هو الإسلام، بقيادة المصطفى الذي رباه الله على عينه ليربي به الدنيا، بأبي هو وأمي ونفسي وروحي