روى الإمام الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وصححه، وصححه أيضاً الإمام السيوطي في الجامع الصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، والله لقد وقعت الفتنة ووقع الفساد العريض، يوم أن وقف الأب أمام المتقدم لابنته يقول: ما ثمنك؟ ما قيمتك؟ ولم يقل: من أنت؟ ما دينك؟ ما حالك مع القرآن؟ ما حالك مع الصلاة؟ ما حالك مع الله؟ أصبحت هذه الأسئلة لا وجود لها، بل يتقدم الشاب فيسأله عن عرض الدنيا الزائل، وعن حطام الدنيا الفاني، أصبح لا يسأل عن الدين، ووالله إن من تقدم بماله لفتاتك أيها الأب، ولابنتك أيتها الأم، والله الذي لا إله غيره -وأقسم بالله غير حانث- إنه سيعامل ابنتك كما ينظر إلى الريال والدولار، وإذا ما قضى منها نهمته، وشهوته ستتحول عنده إلى سلعة، لا تختلف شيئاً عن أي قطعة أثاث اشتراها بماله، وربما امتن عليها بغناه في يوم من الأيام قال رجل:(يا حسن! إن لي ابنة، فلمن أزوجها؟ قال: زوج ابنتك لمن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها).
أيها الآباء أيها الأخيار أيها الأحباب! هذه نصحية شاب من أبنائكم، ونصيحة ابن من أبنائكم: إذا جاءك من ترضى عن خلقه ودينه فقدم إليه ابنتك، واعرض عليه ابنتك، ولا تستحي أن يقال: إن فلاناً قد باع ابنته لفلان، هذا كلام العادات القبيحة الجاهلة، ورحم الله الإمام ابن القيم حيث قال: ما عادى الرسل إلا العادات.
إي والله، ما عادى الرسل إلا العادات، أي: ما وقف حجر عثرة في طريق الرسل إلا العادات، إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، هذه تنظر لابنة فلان فتقول: ابنة فلان قدم لها من المهر كذا وكذا، وقدم لها من الأثاث كذا وكذا، وأنا لا أقل عنها في شيء، وهذا ينظر إلى فلان، وهذه الأم تنظر إلى ابنة فلانة، ما هذا يا عباد الله؟! ووقف الشاب المسكين تائهاً حائراً بين هذه التيارات القبيحة من العادات، ووقفت البنت مسكينة حائرة تشكي أمرها إلى الله، وتشكي حالها إلى الله، ووالله لولا حياء فتياتنا، ولولا حياء أخواتنا، ولولا حياء بناتنا؛ لصرخن في وجوهنا في الليل والنهار، وقلن لنا: ارحموا عجزنا، وارحموا ضعفنا، واستروا عوراتنا، ماذا تصنع البنت إلى أبيها، ماذا تصنع البنت إلى أمها؟! هل تريد لابنتك أن تقضي عمرها في بيتك أم تريد لابنتك أن تقضي عمرها في فراشك؟! والله ما لهذا خلقت، وما لهذا وجدت، بل ما وجدت إلا لتكون في بيت زوجها، وإلا لتكون في عش الزوجية؛ لتباهي الأمم ولتباهي الدنيا بنسلها الذي تربيه على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.