للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[سوء الظن]

تأتي الآية الأخرى لتضع ولتقيم سياجاً آخر في هذا المجتمع الإسلامي النظيف النقي، الذي يقيمه الإسلام بهدي القرآن، فيقول ربنا جل وعلا في الآية التي تليها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:١٢] إنه النداء المحبب إلى القلوب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أصغ السمع، وافتح القلب، فإن النداء من اللطيف العليم الخبير جل وعلا، إنما هو خير ستؤمر به أو شر ستنهى عنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:١٢].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:١٢] هكذا أيها الأحباب! يطهر القرآن الضمائر من الهواجس والظنون والشكوك والريب، لماذا؟ {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢] وهكذا يدع القرآن القلوب نقية نظيفة طاهرة هادئة صافية، لا يعكر صفوها قلق أو غم أو شك، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الظنون القبيحة والسيئة، فقال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

الظن السيئ لا يجوز بأهل الخير والفضل، كما قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال: (ولقد أجمع كثير من العلماء على أن الظن السيئ لا يجوز بأهل الخير)، أو على حد تعبير الإمام القرطبي: أكثر العلماء على أنه لا يجوز الظن القبيح بأهل الخير، ولا حرج بالظن السيئ بأهل السوء وأهل الفساد، أي: لمن جهر بمعصيته وفسقه بين الناس.

وقال بعض السلف: الظن الذي نهى الله جل وعلا عنه هو: أن تظن بأهل الخير من المؤمنين شراً وسوءاً.

ولذلك -أيها الأحباب- أغتنم هذا الدرس لأذكر نفسي وإياكم بهذا المرض الذي استشرى في مجتمعنا في هذه الأيام، ألا وهو الظن السيئ بكثير من علمائنا ودعاتنا، ووالله يجب على كل مسلم ألا يظن بعلماء ودعاة الأمة إلا خيراً، فإن لحوم العلماء والدعاة مسمومة، فلقد أباح كثير من الناس لنفسه في هذه الأيام الخوض في لحوم العلماء والدعاة، وظن المسكين أنه أعلم بالأمور وأفقه بها من العلماء والدعاة، لا.

أغلق على نفسك هذا الباب، ولا تظن أنك أعلم بالأمور من علماء الأمة ودعاتها، فينبغي أن تظن بعلمائك خيراً، وأن تظن بدعاة الأمة خيراً؛ لأنهم ورثة الأنبياء، وهم أخشى الناس لله جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١] فإياك إياك أن تظن بالعلماء سوءاً.

بل ينبغي أن تدعو الليل والنهار لعلمائك، اللهم بارك في علمائنا وثبتنا وإياهم على الحق، وارزقنا وإياهم حسن الخاتمة أنت ولي ذلك ومولاه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:١٢] وفي الحديث -أيها الأحباب- الذي ذكرته آنفاً (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) درس مهم جداً، الله جل وعلا نهى عن كثير الظن؛ لأن بعض الظن إثم، خشية أن تقع في هذا القليل.