الركن الأول: طاعة بلا معصية، والمعصية سبب لسخط الله جل وعلا في الدنيا والآخرة، ولها آثار خطيرة على العبد -عافانا الله وإياكم منها- ذكرها وأسهب في تفصيلها الإمام ابن القيم في كتابه القيم الداء والدواء، أو بعنوان آخر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، حتى لا يلتبس الأمر على بعض الإخوة.
إن للمعصية آثاراً خطيرة، وهي سبب لسخط الله جل وعلا في الدنيا والآخرة، والمعصية لها ظلمة في القلب، وأذكر نفسي وإخواني من طلبة العلم، بأن المعصية سبب رئيس من أسباب حرمان العلم، قال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأوصاني بأن العلم نور ونور الله لا يهداه عاصي ومن آثارها الخطيرة: أن صاحب المعصية يحس للمعصية بظلمة وبوحشة في قلبه، لا يعلمها إلا الله، كما قال الحسن رحمه الله: أبى الله إلا أن يذل من عصاه، ورحم الله ابن عباس حينما قال: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للمعصية سوداً في الوجه، وظلمة في القلب، وضيقاً في الرزق، ووهناً في البدن، وبغضاً في قلوب الخلق.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذلك التقوى واصنع كماش على أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى إياك أن تحتقر معصية، فإن المؤمن ينظر إلى معصيته، على أنها كبيرة من الكبائر، ولو كانت من الصغائر، ولكن المنافق ينظر إلى عظم المعصية، كأنها ذبابة وقعت على أنفه فذبها عنه فطارت، لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى من عصيت! إن خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب فعليك أن تطيع الله جل وعلا، وأن تراقب الله في سرك وعلنك، ولقد أمسك أعرابي بأعرابية في الصحراء، وأراد أن يفعل بها الفاحشة، فقالت له الأعرابية: هل نام الناس في الخيام؟ فذهب الأعرابي فرحاً مسروراً بمعصية زائلة وبلذة فانية، وبمعصية تعرضه لسخط الله جل وعلا، وعاد إليها -وقد تملكه السرور- وهو يقول: أبشري لقد نام الناس جميعاً، ولا ترانا إلا الكواكب، فقالت له هذه المرأة النقية: وأين مكوكبها؟! {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:٧]، لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت، وإن خلوت بنفسك فلابد أن تعلم أن الله جل وعلا يسمع ويرى:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٣ - ٤٦]{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩].
إن خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت، ولكن قل: عليَّ رقيب