للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجود المؤهلات والمغريات للوقوع بها]

ولكن المرأة بعد المراودة المكشوفة، وبعد هذه الألفاظ العارية عن كل ذرة حياء، وهي امرأة العزيز! صاحبة الجاه والجمال! صاحبة المال والسلطان! وهو عبدها وخادمها الذي يخدمها في البيت! ومع ذلك مالت إليه وهو خادمها، وهذا يؤكد لنا حقيقةً سنخلص إليها؛ ألا وهي خطورة الخلوة بين الرجل والمرأة مهما كان تقى المرأة ومهما كان إيمان الرجل، إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميقٌ في تكوين النفس البشرية، لا ينفك عنها ألبتة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لا يمكن على الإطلاق أن يخلو رجل بامرأة إلا وتتجلى دوافع النفس البشرية وفطرتها حتماً لا محالة في ذلك، أما هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم ويضللون أبناء أمتهم، ويقولون بالدعوة إلى الاختلاط بين الجنسين، بحجة أن الرجل إذا اختلط بالمرأة خف عنده الكلف الجنسي، ونظر إلى الأمر بعد ذلك على أنه أمرٌ عادي!! ويأبى الله إلا أن يظهر الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، والواقع يؤكد صدق ذلك، وإن كنا لسنا في حاجةٍ إلى واقعٍ ليؤكد كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله لا يقول إلا عن ربه.

مراودة مكشوفة: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:٢٣] وفي بعض القراءات: (هِئْتُ لَكَ) هيأت المرأة نفسها وزينت نفسها وتجملت وتعطرت، وأعدت الفراش، ونادت عبدها وخادمها، وقد أغلقت الأبواب باباً تلو الباب، ولا يوجد في هذا البيت إلا هي وهو {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:٢٣] وبعد هذه المراودة المكشوفة تصر المرأة على شهوتها التي وصلت إلى عنفوانها، وقد تناست الأخلاق والدين والقيم والإيمان والأعراض، المرأة حينما تضعف أمام شهوتها تنسى كل شيء، إلا من رحم الله جل وعلا {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:٢٣].

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف:٢٤] أي: إلى هذا العمل، همَّ فِعْلٍ، وهذا هو رأي جمهور المفسرين، وهمَّ بها هم نفسٍ، فهو بشر، وإن أعظم مرحلةٍ وفترةٍ تتجلى فيها عظمة يوسف عليه السلام أن يدعى إلى هذا الأمر وأن يذكر بالله جل وعلا، فيتذكر فيعرض عن الفاحشة، إنها له وليست عليه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:٢٤] لسنا في حاجةٍ إلى أن نلهث وراء الإسرائيليات والأساطير التي ذكرت في هذه السورة بصفةٍ خاصة، لا يهمنا أن نتعرف على طبيعة هذا البرهان، المهم أن نعرف أن الله جل وعلا ذكره فتذكر، تذكر جلال الله، وتذكر نبوة والده يعقوب، وأنه من بيت نبوة، ابن طاهرٍ نقيٍ عفيف.