بطلان الزواج العرفي شرعاً
أيها المسلمون! أيها الشباب! أيتها الفتيات! إن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ له قدسيته ومكانته، وله أركانه وشروطه، ولا يحل للزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر إلا على الوجه الذي شرعه الله عز وجل، إلا بالقبول والإيجاب والولي والشهود والإعلان والمهر.
أما القبول والإيجاب: فهما ركنان عظيمان، وهي صيغة العقد المعروفة، ومذهب جمهور العلماء أنه ينعقد بكل لفظ يدل عليه.
أما الولي: فهو شرط لا يصح العقد إلا به بنص القرآن والسنة في أيِّ أرض وتحت أيِّ سماء، ولأي ظرف من الظروف، قال الله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٢]، والعضل: هو المنع والتضييق والتعسير، قال الإمام الشافعي: وهذا أبين ما في القرآن على أنه لا نكاح إلا بولي، وبهذا قال جمهور المفسرين، وستعجبون إذا علمتم سبب نزول هذه الآية، فلقد نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه الذي زوج أخته لرجل، وأحسن إليه وأكرمه، ولكن الرجل طلق أخت معقل بعد فترة من الفترات، فلما انقضت عدتها عاد الرجل مرة أخرى إلى معقل بن يسار ليرد المرأة، فقال له معقل بن يسار: زوجتك وأكرمتك فطلقتها! ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل قوله: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٢]، فلما قرأ الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم على معقل بن يسار قال: (الآن أفعل يا رسول الله) وفي لفظ: (سمعاً وطاعة) فزوجها إياه، وأعادها إليه بعقد جديد.
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن المرأة لا تزوج نفسها حتى ولو كانت ثيباً لهذه الآية؛ لأن أخت معقل بن يسار لم تكن بكراً وإنما كانت ثيباً، والآية الكريمة نص صريح لا تأويل فيه.
وقال الله عز وجل: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:٢٥]، ذهب جمهور المفسرين إلى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها؛ لقوله تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ)، وقال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢] هذا خطاب من الله لأولياء المرأة، وترجم الإمام البخاري بهذه الآية باباً بعنوان: لا نكاح إلا بولي.
وقال تعالى: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:٢٢١]، وهذه الآية قد استدل بها أيضاً جمهور المفسرين على أن المرأة لا تزوج نفسها؛ لأنه خطاب من الله عز وجل لأولياء المرأة.
وتأتي السنة النبوية المطهرة بعد كتاب الله عز وجل لتؤكد تأكيداً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا تأويل بطلان الزواج الذي يتم بدون الولي، في أيِّ أرض وتحت أيِّ سماء، ولأيِّ ظرف من الظروف، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبغوي والبيهقي والطبراني والحاكم عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) تدبروا قول الحبيب النبي: (لا نكاح إلا بولي)، وفي رواية: (لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له)، وفي الحديث الصحيح الصريح الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي والبغوي والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل).
ماذا تريدون أيها المسلمون بعد ذلك؟! ماذا تريدون أيها الشباب وأيتها الفتيات من أدلة صحيحة صريحة بعد ذلك على بطلان هذا الزواج العرفي المزعوم المشئوم، الذي لا يعلم عنه ولي البنت شيئاً على الإطلاق؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها)، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: الزانية هي التي تزوج نفسها.
وقال ابن عباس: البغي هي التي تزوج نفسها، وحكى ابن المنذر إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث ابن عباس: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وأذنها سكوتها) فالمراد عند جمهور أهل العلم: أن الولي لا يجوز له أن يزوج الثيب إلا بأمرها ورضاها، فإن زوجها وليها بغير أمرها ورضاها فالنكاح مفسوخ، كما في حديث خنساء بنت خزام الذي رواه البخاري وأحمد: (فقد زوجها أبوها وهي امرأة ثيب فكرهت ذلك، فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي نكاحه).